سياسة العنصرية
قوانين يحارب بها الاحتلال الفلسطينيين
أصدرت إسرائيل حزمة من القوانين والتشريعات والقرارات التي تستهدف الفلسطينيين عموماً وفلسطينيي 48 وسكان الضفة الغربية تحديداً، وتتميز هذه القوانين والتشريعات بطابعها العنصري الهادف إلى تضييق الخناق والحد من المكتسبات والحريات الفردية والجماعية للفلسطينيين.
وتنوعت هذه القوانين لتشمل مجالات وميادين عديدة، فشملت تبييض الاستيطان ومواجهة حملات المقاطعة، ومحاولة تكميم الأصوات العربية داخل الكنيست، ومنع الآذان، وغيرها من القوانين والقرارات التي تختلف في عناوينها وتتفق في خلفياتها وأهدافها.
ومن أبرز هذه القوانين والتشريعات:
قانون "تبييض المستوطنات"
قانون أقره الكنيست الإسرائيلي في السادس من فبراير/شباط 2017 بأغلبية ستين عضواً داخل الكنيست ومعارضة 52، ويعرف في الأوساط الإسرائيلية بقانون "التسوية"، ويشكل خطوة في اتجاه ضم أجزاء من الضفة الغربية، وهو ما يدعو إليه وزراء في الحكومة الإسرائيلية علناً، مثل وزير التعليم نفتالي بينيت زعيم حزب البيت اليهودي المؤيد للاستيطان والمعارض لإقامة دولة فلسطينية، ومن أهم مضامينه:
ــ ينص قانون تبييض الاستيطان على أنه يحق للدولة (سلطات الاحتلال) مصادرة حق استخدام أرض فلسطينية خاصة من أصحابها وليست الملكية عليها، مما يعني مصادرة أراضٍ فلسطينية خاصة (مملوكة لأشخاص) لغرض الاستيطان.
ــ يتم تطبيق قانون تبييض المستوطنات فقط في البؤر الاستيطانية التي كانت للحكومة الإسرائيلية يد في إقامتها، مثل بؤرة "عمونا"، وعدم تجريم المستوطنين بالاستيلاء على أرض خاصة "إنما قاموا بذلك عن نية حسنة". أي أنه يَمنع المحاكم الإسرائيلية من اتخاذ أي قرارات بتفكيك تلك المستوطنات.
ــ نص القانون الإسرائيلي على "تعويض مالي كبير" للفلسطينيين الذين يثبتون ملكيتهم على الأرض المقامة عليها منازل مستوطنين.
ــ يضفي القانون، بعد إقراره بشكل نهائي، الشرعية على 16 تجمعاً استيطانياً في الضفة أقيمت على أراض بملكية فلسطينية خاصة، ومنح الشرعية لنحو أربعة آلاف وحدة استيطانية، وفق القانون الإسرائيلي.
ــ يوقف القانون بالتالي هدم بؤرة "عمونا" الاستيطانية العشوائية التي يقيم فيها بين مئتين وثلاثمئة مستوطن وتقع شمال شرق رام الله، وهي مستوطنة غير قانونية ليس فقط بموجب القانون الدولي، بل وفق القانون الإسرائيلي أيضاً.
مشروع قانون منع الأذان:
أقره الائتلاف الحكومي الإسرائيلي في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ويقيد رفع الأذان عبر مكبرات الصوت في المساجد في القدس وفلسطين 1948، وينص تحديداً على منع استخدام مكبرات الصوت في الشعائر الدينية من الساعة 11 ليلاً بتوقيت فلسطين، وحتى السابعة صباحا، وهو ما يعني عملياً منع رفع أذان صلاة الفجر.
ويأتي هذا وفق الخبراء والمتابعين ضمن خطة ممنهجة لإكمال تهويد القدس وكل فلسطين، ويعدونه واحداً من أخطر قرارات إسرائيل العنصرية، الهادفة لمحاربة الهوية الإسلامية للشعب الفلسطيني، وتكريس يهودية الدولة.
وكانت الحكومة الإسرائيلية صادقت على النسخة الأولى من هذا القانون في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، لكن اعتراضات يهودية حالت دون عرض إقراره بشكل نهائي خوفاً من استخدامه ضد بعض الشعائر اليهودية.
منع دعاة المقاطعة من دخول إسرائيل:
قانون من المتوقع أن يصوت عليه نهائياً الكنيست (بالقراءتين الثانية والثالثة) ليصبح نافذاً، ويسمح القانون الجديد لوزير الداخلية بمنع إصدار تأشيرات دخول للناشطين في مجال الدعوة لمقاطعة إسرائيل بسبب الاستيطان.
وسيصعب القانون الجديد -حال إقراره- وصول الناشطين الدوليين في مجال مقاطعة إسرائيل إلى الأراضي الفلسطينية، حيث دأبوا على استخدام مطارات ومعابر الاحتلال للوصول إلى الأراضي الفلسطينية في إطار الفعاليات التي تنعشها القوى الناشطة في مجال مقاطعة إسرائيل.
ويعكس القانون الجديد الحساسية الشديدة التي أصبحت تتعاطى بها إسرائيل مع حركة مقاطعة إسرائيل المعروفة اختصاراً " بي دي أس"، بعد أن نجحت بالضغط على إسرائيل وإقناع العديد من الجامعات بمقاطعة إسرائيل أكاديمياً ووقف التعامل معها، كما نجحت أيضا في إقناع العديد من الشركات والمؤسسات بسحب استثماراتها من المستوطنات الإسرائيلية.
منع استخدام اللغة العربية في المواصلات:
في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 أوقفت وزارة العمل الإسرائيلية العمل باللغة العربية في الحافلات في مدينة بئر السبع، رضوخاً لاحتجاج الركاب الإسرائيليين الذين لا يريدون سماع غير العبرية.
ويتعلق القرار بتسجيل صوتي لإرشاد الركاب في المحطات التي تتوقف فيها الحافلات، وأثار امتعاض القيادات الفلسطينية داخل الخط الأخضر التي وصفته بأنه عنصري وطالبت بالعدول عنه.
وتظل الحرب على اللغة العربية وتشويهها أحد أهم أهداف إسرائيل ضمن سياستها الرامية إلى تشويه ونزع هوية فلسطينيي 48، لسلخهم عن امتدادهم العربي.
قانون الإقصاء
قانون يسمح بطرد أي نائب في الكنيست إذا وافق ثلاثة أرباع الأعضاء على ذلك، وأقره الكنيست في يوليو/تموز 2016، وكانت لجنة القانون والدستور التابعة للكنيست صادقت نهاية فبراير/شباط 2016 على مشروع قانون يقضي بإقصاء أي نائب متهم "بالتحريض على العنصرية ودعم الإرهاب وعدم الولاء لإسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية"، وذلك بشرط أن يوافق على القرار تسعون نائبا من أصل120.
ويرى النواب العرب أن هذا القانون يستهدفهم على خلفية تصريحاتهم المؤيدة للضغط على إسرائيل اقتصادياً وسياسياً من أجل إنهاء الاحتلال ووقف الاعتداءات والانتهاكات التي ترتكبها في حق الفلسطينيين.
محاربة تعدد الزوجات
أعلنت وزيرة القضاء الإسرائيلية أياليت شاكيد بداية 2017 خطة متكاملة للقضاء على ظاهرة تعدد الزوجات، ويشهد الوسط البدوي في فلسطين 1948 حراكا لمواجهة هذه الخطة، لأن ظاهرة تعدد الزوجات منتشرة لديهم بصورة كبيرة بنسبة 36%، بينما نددت منظمات نسائية بهذه الخطة.
وكانت مراسلة موقع "ويلا" الإخباري تال شيلو نقلت اقتراحاً لوزير الطاقة يوفال شتاينيتس "بفرض عقوبات على أولياء أمور النساء الفلسطينيات الذين يوافقون على تزويج بناتهم وهم يعلمون أن الزوج لديه امرأة أخرى، ومعاقبة رجال الدين المسلمين الذين يجرون عقود الزواج المتعدد".
وطالب وزير السياحة ياريف ليفين بطرد كل عربي يتزوج امرأة ثانية عبر تعديل قانون المواطنة، زاعماً أن ما ينطبق على المتسللين الأفارقة إلى إسرائيل يجب أن يطبق على الذين يعددون زوجاتهم.
ومن الواضح أن هذه الخطة تستهدف العرب بشكل خاص، وتشكل تمييزاً ضدهم، وتهدف إلى وقف النمو الديمغرافي العربي في فلسطين المحتلة.
وفي المجمل فقد أصدرت إسرائيل خلال عامي 2015 و 2016 نحو 72 قانوناً، تستهدف الفلسطينيين عموماً وفلسطينيي الداخل بشكل خاص، بحسب الباحث الفلسطيني المتخصص في الشأن الإسرائيلي برهوم جرايسي في حديث مع وكالة قدس برس.
وأضاف جرايسي أن القوانين الـ72 المذكورة تم إقرار بعضها بشكل نهائي، وبعضها دخل مرحلة التشريع، وبعضها أدرج على جدول الكنيست في انتظار المصادقة عليها، مشيراً إلى أن في الولاية البرلمانية الإسرائيلية ال17، إبان حكومة إيهود أولمرت (2006- 2009)، أقر الكنيست ستة قوانين بشكل نهائي، في حين أن الولاية البرلمانية ال18، إبان حكومة بنيامين نتنياهو الثانية (2009- 2013) ، شهدت تشريع ثمانية قوانين بشكل نهائي تبعها 12 قانوناً عنصرياً تمَّ إقراراها خلال الدورة ال19 الماضية.
وخصص معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب فصلاً خاصاً بعرب 1948 في كتابه السنوي الذي صدر مطلع عام 2017، تحدث فيه عن مظاهر الكراهية التي يواجهونها من اليهود، وما يترتب على ذلك من حرمانهم من حقوقهم الأساسية، وتوقفت عند القوانين والتشريعات التي سنتها إسرائيل لتقليص مشاركة العرب فيها، وتقليل حجم الحقوق المدنية التي يحصلون عليها في القطاعات السياسية والثقافية والاجتماعية.
وفي السياق ذاته، خلص استطلاع للرأي قام به الائتلاف لمناهضة العنصرية في إسرائيل إلى أن إسرائيل اليوم أكثر عنصرية من الماضي لأسباب عدة؛ أبرزها الاقتداء بالسياسيين، والتربية التي ينشأ عليها الأطفال، والتأثر بمنتديات التواصل الاجتماعي. ويقر الكثير من الإسرائيليين بوجود عنصرية، خاصة ضد العرب.
واعترف 52% من المستطلعين بوجود عنصرية واسعة ضد العرب والشرقيين والأجانب أكثر مما كان عليه الأمر قبل سنتين، وقال 79% من المستطلعين إنهم على قناعة بأن هناك عنصرية موجهة ضد العرب.
نظرة بعيون فاحصة إلى المجتمع الإسرائيلي كفيلة بأن تغيّر كل شيء
توحي فتاوى لحاخام اليهود الشرقيين في إسرائيل، إسحاق يوسف، التي يحدد فيها مبرر وجود السكان الفلسطينيين في «أرض إسرائيل»، بأنها فتاوى دينية مجبولة بمواقف عنصرية أطلقت في ظروف سياسية تتماشى مع ميول الرأي العام الإسرائيلي، الذي ينحو إلى أقصى اليمين والعنصرية.
الحاخام يوسف، لبّى طلب الإسرائيليين وتماهى مع رغباتهم، ولا يبدو أنه كان محرضاً أو حاثّاً على الحراك العنصري، بل عبّر عن اعتقاداته وحاول اللحاق بالموجود، عبر قوله إنه يجب على الفلسطينيين أن يكونوا "خدماً لليهود، وإلا يحظر عليهم كما على غيرهم من الأغيار (غير اليهود) العيش في هذه البلاد".
العنصرية في إسرائيل ليست وليدة الساعة. فهي غير مرتبطة بتطورات سياسية أو أمنية، مع أن هذه التطورات مناسبة لإظهار مستواها المرتفع لدى الإسرائيليين. لكن العنصرية تتجذر في وجدانهم، وهي رديفة للوجود، ويبدأ تشربها منذ الصغر. كذلك إن المعطيات حول العنصرية الإسرائيلية لا تحصر في دراسة أو بحث، فضلاً عن مقالة أو تقرير صحافي، ما يدفع إلى الاقتصار على الإشارة إلى معطيات، في بحر أكبر من المعطيات، من شأنها فقط أن تضيء، أكثر، على واقع الإسرائيليين ونظرتهم إلى الآخرين.
وأهمية هذه الكتابات، شبه المهدورة في العالم العربي، وشبه المغفلة في العالم الغربي، أنها تعرّي رواية إسرائيل حول ديموقراطيتها وحقوق المواطنة لديها. وكما هو معروف، تؤكد إسرائيل في مقاربتها، تحديداً أمام الجمهور الغربي، أنها لا تميز بين "مواطنيها"، عرباً (فلسطينيو 48) كانوا أو يهوداً، شرقيين أو غربيين، فللجميع، كما تدعي، الحقوق والواجبات على حد سواء برعاية القانون والقضاء. وهذه الرواية تجد مسارب كثيرة لدى الوعي الغربي، إلى الحد الذي تُعمى معه الحقائق، ثم تفسر الأحداث والوقائع العنصرية، باعتبارها أعمالاً استثنائية، بلا تمأسس رسمي موجه.
في عام 1988، عمدت إسرائيل إلى حظر حزب "كاخ" بتهمة العنصرية، ضمن ظرف سياسي ورأي عام عالمي مضاد، استدعى ذلك، ولكنها في 2016، لم تعد تخجل من عنصريتها، ولا يكاد يخلو حزب إسرائيلي وازن وممثل في الكنيست، من العنصرية والتعبير عنها وممارستها، بل الافتخار بها، كي يتماهى أكثر مع عامة الجمهور الإسرائيلي، الذي يجنح في العقدين الأخيرين، تحديداً، إلى مزيد من التطرف.
والعنصرية وكراهية الآخر، تلقى رعاية حتى من القضاء الإسرائيلي، الأمر الذي يشير إلى تأصيل وتجذير ورعاية مؤسساتية، ثم قضائية. آخر عينات هذه الرعاية، وجدت تعبيرها في لائحة الاتهام ضد الجندي قاتل الشهيد عبد الفتاح الشريف بإعدام مباشر في الخليل، فرغم توثيق الجريمة هذه المرة بالصوت والصورة، بعدما توجه الجندي إلى الشهيد الذي كان ينزف وملقىً على الأرض بلا حراك تقريباً، ليطلق من رشاشه رصاصة على رأسه فيرديه. أما الاتهام الرسمي للنائب العام في القضاء الإسرائيلي، فهو التسبب في الموت غير المقصود! مقابل ذلك، عقوبة الفلسطيني تصل إلى السجن عشرين عاماً، في حال رشقه حجراً على عربة للجيش الإسرائيلي.
في الإطار العام، تعاني مجتمعات كثيرة من العنصرية. بل لا يكاد يخلو مجتمع من عنصرية، ولكنها في غالبية الحالات تبقى خفية وتنتشر في الهوامش مع خجل حولها والابتعاد عن الإقرار بها. أما تركيبة العنصرية في إسرائيل، فتحولت إلى واقع طبيعي، بل تحولت، لجهة السياسيين، إلى قمة النزاهة والصدق، أما النضال ضد العنصرية، فينظر إليه إسرائيلياً، كنوع من الخيانة. وعيّنة الجندي قاتل الشهيد الشريف، ترجمة حية لهذا الواقع، بعدما حظي بمكانة البطل في إسرائيل، لأنه تعبير وواجهة للذات، ومقاول منفذ للرغبات العنصرية لدى الإسرائيليين.
الروائي الإسرائيلي، سامي ميخائيل، يقول في كلمة ألقاها في جامعة حيفا، تحت عنوان "إسرائيل الدولة الأكثر عنصرية في العالم المتطور" (صحيفة «هآرتس» 26/06/2012): "دعونا لا نخدع أنفسنا، الثقافة والتربية في إسرائيل تبث مادة سامة ليست أقل من المادة السامة المتطرفة (للجماعات) الإسلامية، فنحن نطعم أطفالنا من رياض الأطفال حتى سنّ الشيخوخة، الكراهية والشك والاشمئزاز من الآخر، وتحديداً العرب والفلسطينيين". كذلك ينطلق تجذر العنصرية في إسرائيل أساساً وتمنهجاً، من المؤسسات التعليمية، كما يقرّ الروائي ميخائيل. بدءاً من دور الحضانة وصولاً إلى الجامعات.
في تحقيق طويل لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، نشر في 18/01/2011 تحت عنوان "التربية والتعليم والموت للعرب"، وردت عينات من سلوك التلاميذ والطلبة والنظرة إلى الآخر. أحد الطلاب في إحدى مدارس تل أبيب، ذكر في اختبار حر، وللمفارقة في مادة التربية المدنية، أن في نيته أن يلتحق عندما يكبر بوحدة "حرس الحدود"، "كي أكون قادراً على إطلاق النار على العرب، وقتل أكبر عدد منهم". ولدى قراءة الطالب هذه الجملة أمام زملائه، لاقى ترحيباً وتصفيقاً حاراً، في إشارة إلى القبول الجمعي لما ورد في كلامه.
يرد أيضاً في التقرير نفسه، نقلاً عن أساتذة يدرسون التربية المدنية وحقوق الإنسان، أن التلاميذ يضطرون إلى الاعتذار وطلب الصفح من زملائهم إذا أرادوا الحديث وإيراد أمثلة على العنصرية، مع التأكيد المسبق أن ما سيقولونه لا يعني أنهم يحبون العرب أو يكنون مشاعر طيبة تجاههم، لأن "العربي الجيد هو العربي الميت فقط".
أيضاً، فإن البحث السنوي الصادر عن "مركز أبحاث تربية السلام" في جامعة حيفا، وهو بحث متجدد المعطيات سنوياً، أورد تحت عنوان "النظرة إلى الآخر بين المراهقين العرب واليهود في إسرائيل"، معطيات "مقلقة"، خاصة أنها تتعلق بمسح معطيات لتلاميذ الصف العاشر من 22 مدرسة ثانوية في وسط إسرائيل وشمالها. ويرد في البحث أن "52 بالمئة من اليهود غير موافقين حتى على مجرد لقاء أي عربي، و56 بالمئة غير موافقين على اتخاذ صديق عربي، و61 بالمئة غير موافقين على الدراسة مع عربي، و74 بالمئة غير موافقين على ضيافة واستقبال عربي في المنازل اليهودية، و65 بالمئة غير موافقين على السكن في مبنى يضم عربياً". والمقصود بالعربي هنا، هو الفلسطيني من أراضي عام 1948، الذي يحوز "المواطنة" والجنسية الإسرائيلية.
تشير معطيات البحث أيضاً، إلى أن المراهقين من طلبة الثانويات في إسرائيل، ينظرون نظرة استعلاء إلى العربي (الفلسطيني) باعتباره أدنى منهم عرقياً، كذلك يشير 73 بالمئة إلى أن العربي بطبيعته "غبي"، و 84 بالمئة إلى أنه "وسخ مليء بالقذارة"، و 67 بالمئة إلى أنه "عنيف"، و 84 بالمئة إلى أنه "غير مثقف"، و85 بالمئة إلى أنه "لا يمكن الوثوق به".
ويزيد مركز "مساواة" (حيفا) في تقريره السنوي لعام 2016، حول العنصرية الإسرائيلية، أن المؤسسات الحكومية (في إسرائيل) شريكة بعملها أو بتقاعسها في استفحال العنصرية، وترفض التحقيق في ملفات التحريض العنصري، بل تتقاعس في التحقيق في ملفات العنف العنصري وممارسات الشرطة الإسرائيلية. ويرد في التقرير حالات سجلت في 2015: 10 اقتراحات قانون عنصرية في الكنيست، و30 نشاطاً يستهدف الحد من الحرية السياسية لقيادات من فلسطينيي 1948، و38 موقفاً عنصرياً لقيادات إسرائيلية، و12 نشاطاً عنصرياً بهدف الإضرار بالأماكن المقدسة، و103 ملفات عنصرية من مؤسسات رسمية وأخرى اقتصادية خاصة وعامة، و123 عملاً عنصرياً نفذها (أفراد) إسرائيليون، و39 نشاطاً عنصرياً صدر عن رجال أمن، و31 حالة عنصرية في مؤسسات تعليمية وأكاديمية، و60 نشاطاً عنصرياً في ملاعب كرة القدم، و19 منشوراً عنصرياً في مواقع إعلامية... إلخ.
وإنه من اللافت، توجيه الشرطة الإسرائيلية اتهامات بجريمة تبييض الأموال ضد "مافيا حريديم". وصل عدد المتهين فيها إلى العشرات من الحاخامات، الذين يديرون شركات صيرفة في إسرائيل والخارج. المبلغ حُدد بمئات الملايين من الدولارت، وعلى مدى سنوات طويلة. كما يشمل النشاط الولايات المتحدة وفرنسا وهولندا... وإسرائيل طبعاً. لكن ما الذي يدفع رجال دين، ينظّرون للعفة، إلى الانشغال في تببيض أموال عائلات الجريمة المنظمة حول العالم؟ اتهام الحاخامات بتبييض الأموال ليس حادثة عابرة جديدة ومنفلتة من السياق العام. ففي 2009، سيق حاخامان اثنان مرموقان في إسرائيل إلى القضاء، بتهمة تبييض أموال المخدرات والجريمة والمنظمة. وآنذاك، كتبت «هآرتس» أن السبب هو النظرة الإسرائيلية الدينية إلى الغير، (الأغيار)، الذي تجوز سرقته والاستيلاء على أمواله.
والتساؤل هو: "كيف حدث أن اسمي شخصيتين مرموقتين مثل الحاخامين كاتسين وبن حايم، ربطا بتبييض أموال بالملايين، وبإدارة ساحة مافيا معقدة تدحرج مالاً أسود لتبييضه؟ ولماذا نتوجه بعيداً إلى أميركا؟ وكيف يجري ذلك في العالم الأصولي حيث يفترض بالرب أن يحوم حوله؟ كيف نتسامح مع الفضائح ومهربي المال والماس والرشى في أوساط المتدينين؟ وكيف نسوّغ ذلك فقهياً ودينياً؟ الجواب هو في جذور تاريخية، وتتعلق بمسألة سلب وسرقة الغير (غير اليهودي)... ويتبين أن ممارسة الحياة اليهودية حظي بآراء يوفرها التلمود، بأن حظر السرقة والسلب، يتعلق فقط باليهود، ولا يسري على الغير".
لكن، يثار تساؤل آخر، إذا كانت إسرائيل كذلك، فما السبب الذي يدفعها إلى "نشر غسيلها الوسخ" في العلن؟ الواقع أن الإسرائيليين وصلوا إلى الحد الذي باتت فيه العنصرية نفسها، مدعاة للافتخار. كلما كنت يمينياً أكثر ومتطرفاً أكثر، وعنصرياً أكثر، ستصير شخصية قادرة ومقتدرة ومتمسكة بالمبادئ، بل يحق لك القيادة والأمرة.
وقد صدر عن رئيس "المعسكر الصهيوني"، رئيس المعارضة في الكنيست، إسحاق هرتسوغ، الذي توجه إلى أعضاء حزبه (حزب "العمل" سابقاً)، التشديد على ضرورة معالجة تراجع تأييد الإسرائيليين لحزبه، لافتاً إلى أن معالجة ذلك هي "في منع الشعور القائم لدى الإسرائيليين، بأننا محبون للعرب (فلسطينيو 48)" (هآرتس 19/04/2016).
"نعم نحن عنصرييون"
"خمسة وتسعين بالمئة من الإسرائيليين يقرّون بوجود العنصرية في إسرائيل"، هذه النتيجة وردت في استطلاع للرأي، نظمته مؤسسات مناهضة للعنصرية بالتعاون مع "صندوق فريدريش إيبرت" (الألماني)، بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنصرية (17/03/2014). تركت أسئلة الاستطلاع للإسرائيليين تحديد الجهة/ الجهات، الإثنية أو العرقية أو الدينية، التي تعاني العنصرية: 79 بالمئة حددوا الإثيوبيين (الفلاشا)، و68 بالمئة حددوا فلسطينيي أراضي 1948، و41.8 بالمئة حددوا الشريحة المتدينة في إسرائيل (الحريديم)، و34 بالمئة حددوا المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي السابق، و4.4 بالمئة فقط، رفضوا الإقرار بوجود أي عنصرية في إسرائيل. كذلك أقر الإسرائيليون، بأغلبية 70.2 بالمئة أن الحكومة الإسرائيلية تقف بلا حراك أو دون المطلوب، للحد من العنصرية في إسرائيل، فيما رأى 19.5 بالمئة أن الحكومة تشجع على العنصرية، لكن 10.3 رأوا أنها تعمل على محاربة العنصرية.