وصال الشيخ خليل.. أول شهيدة بمسيرات العودة
ممازحةً شقيقاتها الثلاث، قالت وصال الشيخ خليل (15 عاماً)، مساء الأحد الماضي، وهي تتناول طعام العشاء برفقتهن:” ربما تكون هذه هي اللُّقمة الأخيرة لي بينكن، فقد أعود يوم غدٍ (الاثنين الماضي) شهيدة”.
جاءت تأثير تلك الكلمات مدوّية على مسامع شقيقاتها ووالدتها، وأثارت لديهن بعضاً من المخاوف والقلق؛ خاصة وأن “وصال” تشارك دائماً في مسيرات العودة وكسر الحصار الحدودية. لذلك حاولت والدتها ريم أبو عرمانة (43 عاماً)، صباح الاثنين الماضي، منعها من المشاركة في المسيرة، التي ارتكبت إسرائيل مجزرة بحقها.
لكن “وصال”، القاطنة في مخيم المغازي، القريب من السياج الفاصل، أصرت على المشاركة، وبدأت الدموع تنهار من عينيها، راجية والدتها السماح لها بالذهاب، خاصة أنها كانت تنتظر هذا اليوم، بشغف، منذ انطلاق المسيرات في نهاية مارس/آذار الماضي.
وتقول والدتها إن “وصال”، كانت تتمنى أن ينجح الفلسطينيون وهي برفقتهم، في تخطّي السياج الأمني الفاصل بين شرقي قطاع غزة والأراضي الإسرائيلية المحتّلة، في خطوةٍ أولى للعودة إلى بلدة عائلتها الأصلية “السوافير”، التي هُجّر أجدادها منها عام 1948.
وعلى ذلك الأمل، لم تتغيّب الطفلة “الشيخ خليل” عن المشاركة في مسيرات العودة ولو ليومٍ واحد، حيث كانت تعتبرها “واجب وطنيّ وفرض عليها”. وتشير الوالدة إلى أن “وصال” كانت منذ فترة، تتدرب على أداء أغنية بعنوان “أمي يا جنّة”، كي تهديها لها في يوم ميلادها الذي يصادف نهاية مايو/أيار الجاري.
لكنها، وقبل يوم من استشهادها، أصرت على غناء الأنشودة لأمها، وكأنها تخشى ألا تتمكن من حضور حفل “عيد ميلاد” أمها، في الوقت المحدد، وهو ما حدث فعلا.
وعن أحلام الفتاة الشهيدة، تقول والدتها إنها كانت تتطلع إلى تعلم “اللغة العربية الفصحى”، واستخدامها في حياتها العامة.
كما أهدت الفتاة “الشيخ خليل” أخوتها الصغار، آخر مبلغ مالي كانت تحتفظ به لنفسها يقدّر بـ (دولار واحد)؛ وذلك صبيحة يوم الاثنين، يوم استشهادها، وقالت لوالدتها آنذاك:” يما هذا المبلغ لأخواتي الصغار، خليهم يشتروا حاجات بها”.
يوم المجزرة
بعد محاولات عديدة من التوسّل لوالدتها من أجل المشاركة في تلك المسيرة، سمحت لها بمغادرة المنزل برفقة شقيقها “محمد” (12 عاماً)، والذي اعتادت سابقاً الذهاب معه إلى المسيرة. وتروي والدتها، أن أول فعل قامت به طفلتها، لحظة وصولها المكان، هو التيمّم بالرمال، لعدم وجود الماء، ثم صلّت ركعتين، وأكملت طريقها في مساندة الثوّار.
ويقول محمد، شقيق الشهيدة، الذي كان برفقتها، إن “وصال”، فور وصولها إلى مخيّم العودة، في المنطقة الشرقية لوسط قطاع غزة، بدأت بمساندة الشباب هناك، ومدّهم بالمياه من أجل تخفيف حرّ أشعة الشمس عنهم”. وما هي لحظات، حتّى باغتتها رصاصة إسرائيلية أصابت رأسها، وأسقطتها أرضاً مضرجّة بدمائها.
وتقول والدتها أبو عُرمانة إن ابنها “محمد”، لم يتحمّل مشهد سقوط شقيقته شهيدة، وهي فاقدة جزءاً من رأسها بسبب الإصابة، وعاد إلى المنزل مهرولاً، والدموع تتحجّر داخل عينيه، ليبدأ بالبكاء والصراخ: “يما وصال استشهدت، أخذوها الإسعاف، ورفضوا مرافقتي لها”.
لم تصدق الأم ذلك الأمر بداية، وقالت له إن “وصال ستعود حالاً”، لكنّه بدأ بتكرار كلامه. هرولت أبو عرمانة إلى مستشفى “شهداء الأقصى”، وبدون وعيّ بدأت تسأل الأطباء والممرضين عن فتاة مصابة اسمها “وصال”.
لكن أحداً لم يؤكد لها وجود فتاة بتلك الإصابة، حتّى صادفت صحفية أخبرتها بأن داخل ثلاجات الموتى، توجد “شهيدة مجهولة الهوية”. بخطوات متثاقلة، جرّت أبو عُرمانة قدميها والخوف يقبض قلبها، وهي تردد “الله يرحمها”.
ولم يخب إحساسها، فقد كانت وصال، الفتاة الجميلة التي تحبّ الحياة، هي ذاتها “الشهيدة المجهولة الهوية”، القابعة في ثلاجات الموتى، لتكون أول فتاة تسقط شهيدة بالمجزرة الإسرائيلية.
وارتكب الجيش الإسرائيلي، الاثنين والثلاثاء الماضييْن، مجزرة بحق المتظاهرين السلميين على حدود قطاع غزة، واستشهد فيها 62 فلسطينيًا وجرح 3188 آخرين، بالرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع.
المصدر: قدس الاخبارية
اكتب تعليقك