زيارة نتنياهو إلى البرازيل.. الكثير من الوعود فقط
حتى ساعاتٍ قليلة قبل بدء «الزيارة التاريخية» لرئيس حكومة الاحتلال إلى البرازيل، كان من المقرر أن تكون الزيارة قصيرة وألا تزيد عن يومين. إذ أشارت عدة صحف برازيلية و"إسرائيلية" إلى أن الزيارة ستكون سريعةً، تقتصر على اللقاء مع جايير بولسونارو (الذي لم يكن قد تقلّد مهامه رسمياً بعد) وعلى الاجتماع مع قادة الجالية اليهودية وقادة الكنائس الإنجيلية في البلاد
وسبب ذلك حسب الصحف "الظروف السياسية في إسرائيل والتي وصلت إلى إعلان حل الكنيست تمهيداً لانتخابات مبكرة"، إضافةً إلى "تردد نتيناهو وعدم ثقته من نتائج الزيارة إلى بلدٍ كالبرازيل".
صحيحٌ أن البرازيل كان لها دورٌ كبير (مختلفٌ عليه) في إصدار قرار التقسيم بشكله المعروف، إلا أنّ مواقفها بعد ذلك كانت أكثر قرباً ومناصرةً للفلسطينيين وقضيتهم؛ ليس ابتداءً بتصويتها بالموافقة لصالح قرار الأمم المتحدة رقم 3379 باعتبار الصهيونية حركة عنصرية، ولا انتهاءً بالأزمة الدبلوماسية التي أثيرت على خلفية رفض البرازيل قبول أوراق اعتماد السفير داني ديان، كونه كان يرأس مجلس المستوطنات في الضفة الفلسطينية المحتلة.
عصرٌ جديد
يبدو أن فريق نتنياهو رأى في هذه العوامل نفسها، فرصةً لبدء "عصرٍ جديد" يكون التعاون سمته الأبرز، بعد أن صار حلفاؤه في سدة هرم السلطة في هذه البلاد، فقرّر أن يمدّد فترة الزيارة. وأنهى نتنياهو يوم الأربعاء الماضي، زيارةً إلى البرازيل استمرت ستة أيام، قابل خلالها أبرز زعماء اليمين الشعبوي في العالم.
حيث افتتحت الزيارة بلقاءٍ مع جايير بولسونارو الذي تقلّد رسمياً منصب الرئاسة البرازيلية مع بداية العام، بعد أن استقبل «الضيف الكبير» بحفاوةٍ مبالغٍ فيها، وصلت إلى حدّ أن أصدرت مؤسسة البريد البرازيلية طابعاً بريدياً يخلّد "الزيارة التاريخية"
كما التقى نتنياهو بوزير الخارجية الأمريكي «مايك بومبيو» الذي حاول طمأنة الأول إلى أن "مكانته لا تزال محفوظة وأنه ما زال لإسرائيل دورٌ تلعبه"، وخاصةً بعد القرار الذي اتخذه دونالد ترامب بانسحاب القوات الأمريكية التي تحتل مناطق في الشرق السوري. ولم ينسَ بومبيو منح صديقه جائزة ترضية، عبر الضغط على رئيس هندوراس «خوان أورلاندو هرنانديز»، الذي تعاني بلاده من التهديد بعقوبات أمريكية، ليجتمع بنتنياهو ويبحث معه "تبادل فتح السفارات بين البلدين وتعزيز العلاقات السياسية وتنسيق التعاون الاقتصادي ومشاريع التنمية".
وربما خيّل لنتنياهو الذي يلاقي كل الصدّ في أوروبا، بفعل تنامي فعاليات حركة المقاطعة، بأنه يفتح ثغرةً في الجدار الأوروبي من أمريكا اللاتينية، إذ التقى خلال زيارته أيضاً برئيس الوزراء المجري (الذي ينتمي للتيار اليميني الشعبوي أيضاً)، طالباً منه دعم كيانه في المنتديات والمؤتمرات الأوروبية في مواجهة حركة المقاطعة التي "تستهدف النيل من سمعة إسرائيل في العالم"، ووجه إليه أيضاً دعوةً لزيارة تل أبيب صحبة قادة مجموعة فيشيجراد (المجر والتشيك وبولندا وسلوفاكيا) لتعزيز التعاون بين كيان الاحتلال ودول المجموعة.
ولم يشأ نتنياهو إنهاء زيارته دون عقد لقاءٍ مع الرئيس التشيلي «سيباستيان بينيرا»، عضو نادي القادة اليمينين الشعبويين أيضاً، والذي اتفق مع نتنياهو على "تعزيز علاقات التعاون التجاري وافتتاح خط طيران مباشر بين سانتياغو وتل أبيب".
ردود الفعل
كان بادياً خلال هذه الزيارة، أن معنويات رئيس حكومة الاحتلال ارتفعت كثيراً، إلى الحدّ الذي دفعه للتصريح بأنه "لن يستقيل من رئاسة الحكومة في حال تم توجيه تهم بالفساد إليه". متأثراً بحفاوة الاستقبال التي أظهرها بولسونارو وفريقه تجاه زيارة "الأخ الكبير". ومحاطاً بتقدير قادة الكنائس الإنجيلية الذين قال لهم بإنه "ليس لدينا أصدقاء أفضل في العالم من المجتمع الإنجيلي، وليس لدى المجتمع الإنجيلي صديقة أفضل في العالم من دولة إسرائيل".
قد يكون كلّ من نتنياهو ومن التقاهم حريصين فعلاً على تمتين العلاقة بينهم. فنتنياهو مجرم الحرب الذي تلاحقه فضائح الفساد في كيانه، والتهديدات القانونية المتنامية بنتيجة نشاطات حركة المقاطعة والحملات القانونية الدولية الأخرى خارج الكيان، تجبره على السعي لتمتين العلاقات مع قادة اليمين الشعبوي المتطرف حول العالم. والأخيرون أيضاً يواجهون عزلةً دوليةً نتيجة سياسياتهم المتطرفة والتي تؤثر على الاستقرار في العلاقات الدولية، كما يجابهون تحديات كبيرة داخل دولهم، ويخيل إليهم أن "التقرّب من نتنياهو وكيانه" قد يوفّر لهم غطاءً في كل ما يجابهون.
إلا أن زيارة نتنياهو إلى واحدٍ من أهم المعالم السياحية في العالم، تمثال المسيح الفادي الواقع على قمة جبل السكّر في ريو دي جانيرو، قدّمت له ولحلفائه جواباً مختصراً. حيث تصدّت له جموع السكّان المحليين والسياح من مختلف دول العالم مانعةً إياه من الصعود إلى تمثال المسيح الفادي وأجبرته على مغادرة المكان على الفور.
ورغم الضجيج الذي رافق الزيارة، والحديث عن «نجاحٍ كبير» سينعكس خيراً كثيراً على نتنياهو وكيانه، يمكن القول إن الأخير أنهى زيارته وفي جعبته "مجرّد وعود" فقط، وهذا ما تثبته التصريحات الصادرة في البرازيل بعد ساعاتٍ من انتهاء الزيارة، حيث بدأ بولسونارو الحديث عن "الحاجة إلى الكثير من الترتيبات قبل حسم موضوع نقل السفارة"، فيما كان تصريح سكرتير الحكومة البرازيلية الوزير «كارلوس ألبيرتو دوس سانتوس كروز» أكثر وضوحاً في هذا الشأن، حيث قال لمحطة BBC يوم الجمعة: "إن العواقب العملية المحتملة لهذا القرار قد تمنع عملية نقل السفارة".
المصدر: بوابة الهدف الإخبارية
اكتب تعليقك