الثلاثاء, 23 أبريل 2024

اللغة المحددة: العربية

الصفحة الرئيسية > المشاركات > وثائق وقرارات دولية

لازال للفلسطينيين في البرازيل أمل كبير ...

مقال للدكتور باسم نعيم

 

 

يوم الأحد الموافق الواحد والثلاثين من هذا العام زار الرئيس البرازيلي جايير بولسينارو القدس المحتلة، وأعلن عن إفتتاح مكتب تجاري للبرازيل في القدس، كما زار بصحبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحائط الغربي للمسجد الأقصى (حائط البراق)، ما يعتبر بروتوكوليا اعتراف بشرعية سيطرة الاحتلال على هذه الأماكن المقدسة، زيارة الرئيس البرازيلي أحدثت صدمة وغضب شديدين لدى أبناء الشعب الفلسطيني، ليس لأن هذه الزيارة للمدينة المقدسة وما صاحبها من خطوات هي مخالفة صريحة للقانون الدولي، ولكن لأنها أيضاً تتناقض مع التاريخ الطويل من العلاقة الوثيقة بين الشعبين الفلسطيني والبرازيلي. لقد ارتبط الشعبان الفلسطيني والبرازيلي بعلاقات قوية منذ منذ عشرات، بل مئات السنين، حيث كانت أول زيارة لرئيس برازيلي في العام 1876 في عهد الدولة العثمانية، وكانت البرازيل في حينها لازالت إمبراطورية ولَم تتحول إلى جمهورية بعد، واحتلت فلسطين مكانة خاصة في قلوب الملايين من البرازيليين الذين وصلوا لأداء مناسك الحج هنا في الأرض المقدسة. والبرازيل على مدار العقود الماضية دعمت حق الشعب الفلسطيني في الحرية والإستقلال، سواءاً كدولة منفردة أو في الأطر الجماعية التي تواجدت فيها، مثل تجمع بريكس أو تجمع دول أمريكا اللاتينية، فكانت البرازيل أول دولة في أمريكا اللاتينية تعترف بالدولة الفلسطينية في عام ٢٠١٠، وصوتت في كل المحطات في المحافل الدولية الى جانب الحق الفلسطيني، وساهمت بشكل كبير في دعم صمود ورفاه شعبنا من خلال التمويل السخي لبرامج وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" أو بشكل مباشر من خلال إشراف ممثلية البرازيل في رام الله على تنفيذ مشاريع لتعزيز البنية التحتية في الأراضي المحتلة. في المقابل فإن البرازيل تحتل مكانة كبيرة ومحترمة في قلوب الفلسطينيين، والتي رسختها جالية فلسطينية كبيرة تتجاوز ٨٠ ألف نسمة، وصل الرواد منهم إلى البرازيل في نهاية القرن التاسع عشر، ساهموا بشكل مباشر وجدي في بناء وطنهم الثاني البرازيل. وليس أدل على هذا الحب للبرازيل أن معظم الفلسطينيين يشجعون الفريق الوطني البرازيلي لكرة القدم في كل مواجهاته.

إننا كفلسطينيين نقيم في هذه الأرض منذ آلاف السنين،  وصنعنا فيها حضارة ساهمت في خير ورفاه البشرية، نعاني من إحتلال إسرائيلي إحلالي يهدف إلى إستكمال جريمته التي إبتدأها في العام ١٩٤٨ (النكبة) بإقتلاعنا من أرضنا بالكامل، وسرقة الأرض وهدم المقدسات الإسلامية والمسيحية. ولعل ما سمعناه مؤخراً من كل الساسة الإسرائيليين في حملاتهم الإنتخابية يعكس كيف ينظرون الى علاقتهم بالفلسطينيين ومستقبل الصراع. فكثير منهم كان يفتخر بإنجازاته من خلال إستعراض كم فلسطيني قتل أو كم بيت هدم أو المطالبة بطرد الفلسطينيين بالكامل الى دول الجوار وضم ما تبقى من أراضي الضفة الغربية الى دولة الإحتلال. وهذه ليست شعارات إنتخابية فارغة، ولكنها تُمارس بشكل عملي مخلص وأمين على مدار الساعة في فلسطين المحتلة، ولعل ما حدث في غزة في العام الأخير أوضح مثال على ذلك، ففي الذكرى السنوية ليوم الأرض والذي يصادف ٣٠ من مارس كل عام خرج عشرات الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة في عام ٢٠١٨ وبشكل سلمي ومن كل الإتجاهات السياسية والشرائح المجتمعية، ليؤكدوا على حقهم في العودة الى ديارهم التي هجروا منها في عام ١٩٤٨، وليطالبوا برفع الحصار الشامل عنهم والذي فرضته إسرائيل منذ العام ٢٠٠٧، مما حول غزة الى سجن كبير مفتوح، ووصفها بعض الإسرائيلين أنفسهم بأنها معسكرات إعتقال تشبه ما فعله النازيون باليهود في ثلاثينات القرن الماضي. الحياة أصبحت مستحيلة، حتى أن الامم المتحدة في تقاريرها أكدت أن غزة في ٢٠٢٠ لن تكون قابلة للحياة. هؤلاء الآلاف توجهوا الى السلك الفاصل شرق حدود قطاع غزة، ولَم يشكلوا أي خطر على أحد كما أكدت تقرير الأمم المتحدة وكذلك المؤسسات الحقوقية الدولية، واستمروا في هذه الفعالية كل يوم جمعة وحتى اليوم وأطلقوا عليها مسيرة العودة الكبرى. ولكن ماذا كان رد الفعل الإسرائيلي؟ استخدام القوة المميتة من خلال القناصة المدربين، والنتيجة حتى اللحظة حوالي ٢٨٠ شهيد وأكثر من ٢٨٠٠٠ جريح، المئات منهم نساء وأطفال، ومئات آخرين أصبحوا معاقين مدى الحياة. ومع أن اللجنة الأممية المكلفة من مجلس حقوق الإنسان للتحقيق في الأحداث المتعلقة بمسيرات العودة في غزة، أكدت أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب بحق المدنيين السلميين، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إعتبر قتل حوالي ٣٠٠ فلسطينيا مسالماً "قراراً حكيما وصائباً".

إننا كشعب فلسطيني نناضل لأجل هدف واحد وهو الحرية والإستقلال والحق في تقرير المصير وإنشاء دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس، وللعيش بسلام كبقية شعوب العالم، نساهم في صناعة الخير والرفاه ليس لشعبنا فقط، ولكن للإنسانية جمعاء.

وهنا فرصة لنؤكد أن مشكلتنا الأساسية ليست مع اليهود كدين، ولكنها مع الإحتلال الجاثم على أرضنا، بل إننا نفتخر أن هذه الأرض عاش في كنفها أصحاب الأديان والمذاهب والطوائف بسلام لمئات السنين.

 نحن ندرك أهمية وتأثير البرازيل على المستوى الإقليمي والدولي، كدولة صاعدة وكعاشر أكبر إقتصاد في العالم، وكأكبر دولة في أمريكا اللاتينية، وعليه فإننا نؤكد على أن أملنا في دعم البرازيل لحقوقنا الثابتة كبير. وأن السياسة البرازيلية الحالية التي يقودها الرئيس بولسينارو، من وجهة نظرنا، لا تخدم المصالح المشتركة المتشعبة والكبيرة بين المنطقة والبرازيل، إذ أن هذه السياسة المنحازة بالكامل لصالح الإحتلال وتتنافى مع القانون الدولي، لا تعادي الفلسطينيين فقط، بل أكثر من ٤٠٠ مليون عربي وأكثر من ١,٧ مليار مسلم حول العالم. فالقدس مدينة محتلة حسب القانون الدولي، ولا يملك أي كان شرعنة إحتلالها، وإعطاء الغطاء لإنتهاك مقدساتها الإسلامية والمسيحية، أو هدم المسجد الأقصى لبناء الهيكل المزعوم مكانه. إن هذه السياسية المتهورة لا تخدم الإستقرار والسلام في المنطقة، بل تعزز حالة التوتر والفوضى والتطرف، وتدفع لإطالة امد الصراع.

هذه المنطقة المهمة في العالم لا يمكن أن تحقق الإستقرار الا بازالة اهم أسباب التوتر فيها وهو الاحتلال الإسرائيلي، ونحن على يقين بأن البرازيل وشعبها العظيم، بما تملك من إمكانيات هائلة على المستوى الأقليمي والدولي تستطيع ان تلعب دورا مركزيا في مساعدة شعبنا على نيل حريته وإستقلاله، والإقليم على تحقيق الإستقرار والازدهار.

 

  • Gravatar - Post by
    منشور من طرف IBRASPAL
  • نشر في
اكتب تعليقك

Copyright © 2024 IBRASPAL - Instituto Brasil Palestina. All Rights Reserved.