نكبة فلسطينيي سورية.. 71 عاما تروي حكاية "خيمتين"
"بعد انسحاب جيش الإنقاذ العربي أتذكر أن الناس قاوموا الاحتلال بـ 12 بندقية فقط، وكمية ضئيلة من الذخيرة، كانت الحكومة البريطانية تعاقب بالحبس أي إنسان غير يهودي بحوزته سلاح أو حتى رصاصة".. بهذه الكلمات بدأ اللاجئ الفلسطيني محمود محمود (أبو أيمن) حديثه عن ذكريات "النكبة"
ويضيف لـ"قدس برس": "كان الناس يظنون أن التجمع في الطابق الأرضي سيحميهم من القذائف غير مدركين القوة التدميرية للطائرات، لذلك كان هناك عدد كبير من الشهداء".
الحاج "أبو أيمن"، هُجر من بلده وهو طفل في الخامسة من عمره، "عندما سقطت قنبلة وزنها نصف طن -هكذا سمعت أبي يصفها- على بيتنا وقتل حينها 7 من عائلتنا، من ذكور وإناث، وعدد كبير من عائلة جيراننا العبد عمر قبلاوي"، يقول اللاجئ.
الهجرة من ترشيحا
وأشار إلى أن الناس بدؤوا بالرحيل بعد "نفاد الذخيرة" من المقاتلين، منبّهًا إلى أن هجرته مع عائلته بدأت "مشيًا" من ترشيحا (شمال فلسطين) إلى بنت جبيل، ومنها إلى صور في لبنان.
وبيّن: "كان الكبار يتحدثون عن بضعة أيام ويعودون إلى قراهم وبيوتهم، لذلك خبأنا أمتعتنا وأشياءنا الثمينة والأدوات المنزلية في البئر أو في جدار خلية من خلايا القمح وأخذنا طعام يوم أو يومين".
وقال: "أقلّنا قطار من صور إلى حيث لا ندري، فكنا كلما نصل إلى مدينة يقولون لنا أسماؤكم ليست عندنا، فمررنا بصيدا إلى بيروت وطرابلس فحمص وحماة، إلى أن وصلنا مخيم النيرب بحلب شمالي سورية".
وتابع: "لقد كانت رحلة القطار أشد عذابًا من المسافات التي قطعناها مشيًا على الأقدام، قبل أن نصل إلى صور، فلقد كان قطارًا لنقل المواشي بالأساس".
كرّة العرب
تروي تجاعيد تركها الزمن في وجه "محمود" قصص نكبة تركت آثارًا عميقة تمامًا كالذاكرة، شقوق ضاربة في الحنين عن يافا وعكا وترشيحا وعسقلان.. وتمتلئ سكينة نظراته بالإصرار والآلام والصبر.
وأردف: "لكن ما كان يهون علينا هي الأماني التي كان الحكام العرب آنذاك يسوقونها لنا، أنهم سيكرون الكرة ويعيدوننا إلى ديارنا، وإلى الآن وبعد 71 عامًا لم تأت الكرّة!".
بركسات النيرب
وحول اللحظات الأولى في مخيم النيرب، أوضح أبو أيمن: "أنزلونا في بركسات؛ بناء طولاني جدرانه من القرميد وسقفه من ألواح الزينكو المثبتة على أخشاب، وكانت بالأساس مهاجع للجنود الإنكليز".
وبيّن: "تلك البركسات مقسمة إلى غرف صغيرة لكل أسرة 2.5م *3.5م فقط، كان كل بركس مقسم إلى 16 غرفة تفصل بينها بطانيات وشوادر".
وذكر أن تلك الغرفة كانت "للجلوس والمنام ومطبخ، ففي حين كانت الحمامات عبارة عن بركسات خاصة للإناث وأخرى للرجال"، واصفًا إياها: "كانت سيئة للغاية؛ أبوابها مخلعة ودون ماء وكهرباء!".
حرب الـ 56 وفقدان الأمل
واستطرد الحاج أبو أيمن: "ظل الناس على أمل العودة حتى حرب الـ 56، حينها أدركوا أن لجوءهم قد يطول ويستمر، فبدأوا باستغلال المساحات المحيطة بالبركسات، وبناء غرف دون أساسات".
وأضاف: "الناس كانوا يعملون في قطاع الزراعة، ما اضطرهم للعمل في حفر الآبار وفي الحقول والمعامل ونجارة الباطون، ومنهم من فتح دكانًا للمواد الغذائية".
واستدرك: "بعد ذلك توجه معظم الناس للعلم والدراسة، فقد كان الحصول على شهادة، بمنزلة إجازة عمل وأثبتوا كفاءتهم في هذا المجال".
2018 وموجات تهجير جديدة
وعن موجات التهجير التي طالت المخيمات الفلسطينية في مايو/ أيار 2018، وخاصة مخيم اليرموك نتيجة الحرب السورية، قال أبو أيمن: إن التاريخ يعيد نفسه "إلا أن نكبة أبنائنا أشد مرارة من نكبتنا نحن، فشتان بين من هجّره العدو ومن هجره أبناء جلدتنا!".
وأكد أن هناك "وجها مشرقا بين النكبتين؛ هو صبر هذا الشعب وثباته وإيمانه بالله تعالى وبقضيته والأمل أن هذه العذابات سيتبعها نصر لا محالةن وأن العودة أمر محتوم مهما طال الزمن".
وختم حديثه لـ"قدس برس" برسالة لجميع المهجرين الفلسطينيين قائلًا: "لقد جمعنا جرح واحد وتهجير واحد وخيمة واحدة، لذلك يجب أن تكون رؤيتنا واحدة وهدفنا واحدًًا؛ بالعودة إلى ديارنا، بغض النظر عن الانتماءات الفصائلية".
المخيم الضحية
الناشط الفلسطيني عبد الله الخطيب، يرى أن الشعب الفلسطيني تعرض لعدة نكبات "ولكن النكبة المعروفة هي نكبة الـ 48 عندما خرجنا من فلسطين".
وأضاف الخطيب لـ"قدس برس": "خرجنا من الأردن عام 1971، ومن بيروت في عام 1982، ثم من طرابلس إبان حرب المخيمات، وخرجنا من مخيم اليرموك عام 2018، ولا نعرف من هو المخيم الضحية المقبلة".
وأبدى تخوفه من وجود قرار بالتصفية الكلية لحق العودة، واستدرك: "لكن الأكيد والثابت أن الشعب الفلسطيني، شعب حي قادر دائمًا على التجديد وبث روح التفاؤل والأمل والمقاومة والنضال".
وذكر أن "كل محاولات العدو الصهيوني وعملائه في القضاء على جذوة الثورة الفلسطينية باءت بالفشل".
واستدل على حديثه، بأن "الناس، وبعد كل هذه السنوات، ما تزال تتكلم عن القدس وحيفا ورام الله، وأن حق العودة، ثابت غير قابل للنقاش".
المصدر: قدس برس
اكتب تعليقك