التسريبات بأوساط السلطة .. صراع نفوذ أم فساد مالي
تسريب تلو الآخر في أروقة السلطة، تارة بشأن زيادة رواتب الوزراء وأخرى حول استحواذ إعلام السلطة على موازنة ست وزارات رئيسية؛ هل تعيد في مجملها إلى الواجهة ملف الفساد الذي يعتري موازنة السلطة، أم أنها تندرج في إطار صراع النفوذ بين القطط السمان
التسريب الأخير بشأن زيادة رواتب الوزراء، كشف شدة الاحتقان في الشارع الفلسطيني تجاه ممارسات السلطة والفساد الذي يضرب أطنابه في قواعدها ومؤسساتها.
وأطلق عدد من النشطاء والحقوقيين الفلسطينيين حملة ضد مظاهر الفساد، التي يقولون إنها باتت واضحة بالضفة الغربية المحتلة في ظل التسريبات المتلاحقة.
ويتحدث القائمون على هذا الحراك عن أسباب أخرى لإطلاقه، مثل ضعف الاهتمام بالقضايا الوطنية الفلسطينية، والذي يأتي في ظل تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية لكل مناحي الحياة، وخاصة في القدس المحتلة.
وحسب مختصين، فإن ما يكشف عنه يأتي في ظل غياب قانون حق الوصول إلى المعلومات، وانتشار ثقافة التفرد في القرارات، ما يؤدي إلى شراهة في الفساد من المتنفذين في صنع القرار بالسلطة.
وكشف الخبير الاقتصادي نهاد نشوان، أن إعلام السلطة المتمثل بهيئة الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء الرسمية "وفا" يستحوذ على موازنة ست وزارات رئيسية، بقيمة تبلغ نحو 182 مليون شيكل سنويًّا.
وقال نشوان في منشور على حسابه في "فيسبوك": "بمراجعة البيانات المالية المخصصة من السلطة إلى هيئة الإذاعة والتلفزيون ووكالة "وفا"، تبين أن موازنتهم تعادل موازنة ست وزارات مجتمعة".
وأوضح أن تلك الوزرات هي: "وزارة الاقتصاد الوطني، وزارة الإعلام، وزارة النقل والمواصلات، وزارة شؤون المرأة، وزارة العدل، وزارة السياحة".
وأكد نشوان أن "هذا النموذج يجب أن يُدرس للأجيال القادمة كسابقه في فساد الحكم واستهبال الشعوب، وكيف تم تخصيص أموال شعب محتل لتلفزيون فاشل"، وفق تعبيره.
وأكد ائتلاف "أمان" للنزاهة والشفافية لعام 2018، في تقريره السنوي، تفشي الفساد داخل هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية التابعة للسلطة، خاصة التحايل على إجراءات التعيين الرسمية من جهة، والالتزام بمبدأ تكافؤ الفرص من جهة أخرى.
من جهته، قال المختص بالشأن الاقتصادي محمد أبو جياب، إن السلطة لم تُعِد أي موازنة لعام 2019، سواء موازنة الطوارئ أو موازنة التقشف أو أي موازنة عادية.
وأوضح أبو جياب في تصريح خاص لـ "المركز الفلسطيني للإعلام"، أن ما يدور الآن من تسريبات لقضايا الفساد في رام الله يأتي في سياق صراع النفوذ بين القيادات بالضفة الغربية، وتثبيت سياسة التفرد في ظل غياب جهات الرقابة، وتعطيل المجلس التشريعي جزء من التمهيد لتطبيق هذه السياسة.
وأشار الى أن السلطة أصبحت في يد بعض المتنفذين من الوزراء والمسؤولين، لافتا الى أن الموضوع المالي للسلطة أصبح من الأسرار المغلقة التي لا يعلم عنها حتى بعض الوزراء والمسؤولين في رام الله.
وذكر أن ما تم تسريبه حول رواتب الوزراء في حكومة الحمد الله جزء من التنافس والصراع السياسي تحت عناوين مالية.
وأضاف: "الواضح أن هناك مناطق نفوذ تنشأ في الضفة الغربية، وبالتالي ليست بعيدة عن السياسات الأمريكية في المنطقة، فإما أن يتم التعاون مع سياستهم، أو يتم إخراجهم كفاسدين ولصوص".
وفيما يتعلق بما تم تسريبه حول هيئة الإذاعة والتلفزيون، أوضح أنه وحسب تقارير السلطة الفلسطينية عام 2005 فإن الفساد كان متمثلا بهيئة الاذاعة والتلفزيون، مشيرا إلى أن هذا الأمر مرتبط بتطويع المؤسسة الإعلامية وجعلها أداة من أدوات تطبيق السياسة.
وفي تعليق له قال عمار الدويك مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، إن هناك خللا واضحا على المستويين الأفقي والعمودي في هيكل الرواتب العامة.
فعلى المستوى العمودي أوضح الدويك في مقال له، أن هناك فجوة كبيرة في سلم الرواتب بين الفئات العليا والفئات الأقل، تتمثل في أن 30% من موظفي السلطة يتقاضون 70% من فاتورة الرواتب، والعكس صحيح (أي 70% من موظفي السلطة يحصلون على ما لا يتجاوز 30% من فاتورة الرواتب). وعلى المستوى الأفقي لا توجد عدالة في الرواتب بين مؤسسات السلطة المختلفة.
وسجل الدويك عدة ملاحظات على موضوع زيادة رواتب الوزراء في حكومة رام الله، أولها أن هناك إشكالية جوهرية في عملية صناعة القرارات العامة، خاصة في مؤسسة الرئاسة، وهي المؤسسة الأهم والأكثر قوة وتأثيرا في نظامنا السياسي، لافتا إلى أن ذلك ظهر جليا من خلال توقيع الرئيس على عدد من القرارات والقوانين والمراسيم التي يشوبها خلل قانوني أو دستوري بيّن، بحيث تم التراجع عن بعضها لاحقا، أو إبطال القضاء بعضها.
أما الملاحظة الثانية فتتمثل في أن القرار الذي أخذ قبل سنتين بشأن رفع الرواتب لم يكشف عنه إلا مؤخرا ومن خلال تسريب لا يعرف مصدره.
وأشار إلى ضرورة السرعة في إصدار قانون حق الوصول إلى المعلومات، ونشر قرارات الحكومة، وتفعيل الرقابة المجتمعية من خلال قنوات صحيحة، وتوضيح آلية اتخاذ القرارات العامة بما فيها القوانين والمراسيم.
أما الملاحظة الثالثة، فتمثلت في أنّ الأزمة كشفت عن زيادة حساسية المواطن تجاه موضوع المال العام، والاهتمام بتكافؤ الفرص ولم يعد المواطن يتسامح مع أي انحرافات في هذا المجال.
ولفت إلى أن استطلاع رأي حديث أعدته مؤسسة أمان أظهر أن المواطن الفلسطيني بات يضع موضوع الفساد على سلم القضايا التي تؤرقه، في حين أنه في السابق كان الاحتلال والوضع الاقتصادي يتصدران سلم أولويات المواطن.
وبعد فشل مشروع أوسلو السياسي، وفي غياب انتخابات عامة أورد الدويك أن الشعور بالغضب والمرارة والاحتقان يتراكم في صدور المواطنين، الذين باتوا يعبرون عن ذلك من خلال السخرية والتهكم والهجوم الشخصي القاسي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بطريقة في أغلبها غير بناءة ولا تؤدي إلا إلى مزيد من اليأس والإحباط وتضرب الثقة بجميع المؤسسات العامة.
وأضاف: "إذا استمرت حالة الاحتقان، دون وجود خطوات جدية لإشراك المواطنين من خلال الانتخابات، أو باتجاه إدخال إصلاحات جوهرية على آلية صنع القرار، قد ينتقل التعبير الغاضب من وسائل التواصل إلى الشارع، لتستكمل حلقة تدمير الذات".
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام
اكتب تعليقك