السبت, 21 ديسمبر 2024

اللغة المحددة: العربية

وثيقة سفر اللاجئين الفلسطينيين.. أصفاد على أبواب المطارات

برهة من الزمن تطول، يرافقها نبضات قلب تعلو، ونظرات مترقبة، أمام شباك الجوازات، والعين على الضابط الذي يُقلّب تلك الوثيقة، قبل اتخاذه قرارا وكأنه حكم محكمة.. مشهد يتكرر في مطارات العالم للاجئين الفلسطينيين من حملة "وثائق السفر"

محمد يونس، لاجئ فلسطيني من سورية، أدرك تلك الحقيقة من خلال القصص التي سمعها ممن سبقوه، والذين أوصلتهم "وثيقتهم السورية" لمراكز الاعتقال في المطارات والمراكز الحدودية التي ترفض استقبالهم.

حلم السفر لا ينفك عن مراودة يونس، بحثا عن حياة آمنة في سياق تلاشي مقوماتها في مخيمه الذي يعيش به في سورية.

وبعد جهد جهيد ومخاطر كاد يدفع حياته ثمنا لها، وصل إلى أربيل في العراق، ومن هنالك شقّ طريقه إلى تركيا، ليعتقل بتهمة دخول أراضيها بطريقة غير قانونية، ويبث تسجيلا مصورا تحدث فيه عن معاناته للوصول إلى تركيا، ومطالبته بعدم ترحيله، وناشدت أسرته في تسجيل آخر الجهات الإنسانية والقانونية التحرك العاجل لإطلاق سراح نجلها.

مناشدات عائلة يونس سبقتها مناشدات كثيرة للعديد من الحالات المشابهة من أجل تأمين الحماية القانونية للاجئ الفلسطيني السوري من حملة الوثائق.

"معظم تلك المناشدات تذهب أدراج الريح"، وفقا للمتخصص الفلسطيني بشؤون اللاجئين الفلسطينيين فايز عيد، باعتبار أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" هي المسؤولة عن أحوال اللاجئين، ولا يمكن لأي جهة أن تتخطاها بما فيهم الفصائل الفلسطينية.

وفي هذا الصدد، يروي عيد لـ"قدس برس"، كيف تظاهر فلسطينيون أمام السفارة الكندية في بيروت للمطالبة بترحيلهم إلى كندا نتيجة الأوضاع المأساوية التي يعيشونها في لبنان، الأمر الذي جوبه بالرفض من "أونروا".

ويشير إلى أن دول عدّة كانت تسمح بدخول فلسطينيي سورية إلى أراضيها بموجب وثيقة السفر، قبل أن تغلق أبوابها بوجهه ومنها تركيا ومعظم الدول العربية ودول الاتحاد الأوربي.

وبيّن أن تركيا مثلا لا تعترف سوى بجواز السفر الصادر من السلطة الفلسطينية، وأن هذه الوثيقة لا تمنحك صفة المواطن الفلسطيني ولا صفة اللاجئ؛ ما يضطر الفلسطينيين إلى اتباع أساليب غير نظامية لدخول تركيا كمحطة مؤقتة قبل متابعة الرحلة إلى أوروبا، ما عرّضهم لحالات قنص وإطلاق نار من حرس الحدود التركية، في حين اعتقل العشرات منهم عائلات.

وأكد المختص في شؤون اللاجئين، أن وضع فلسطينيي سورية لن يستوي قبل أن تتأمن له حماية قانونية من "أونروا" والفصائل الفلسطينية، في سياق الإجراءات القانونية التي تقف عائقا أما حلمه بالبحث عن حياة أفضل.

واستدرك أن الفلسطيني مع كل محاولاته بالوصول إلى أقاصي الدنيا فإنه حلمه الأوحد يبقى أن يعود إلى وطنه فلسطين ليحيا حياة كريمة مواطنا فلسطينيا في أرضه أسوة بباقي البشر الذين تحتضنهم أوطانهم.

يُشار إلى أن جواز السفر يعد من الناحية القانونية وثيقة رسمية تعريفية تمنح عبرها الحكومات الوطنية حمايتها ورعايتها للشخص الذي يحملها وهم حكمًا المواطنون الذين يتمتعون بجملة من الحقوق ويؤدون واجباتهم تجاه الوطن.

أما "وثيقة السفر"، فهي ذات وظيفة مختلفة، ولا تمنح إلا في ظروف استثنائية وقاهرة أحيانا، وهي للاجئ الفلسطيني تتجاوز في وظيفتها المباشرة حدود التعريف التقليدي، كتسهيل الحركة والتنقل، لتحمل أبعادا ذات صبغة سياسية على تماس بحقوق وطنية للشعب الفلسطيني، خاصة وأنه ليس هناك جواز سفر موحد لجميع الفلسطينيين، بل جواز ووثائق تصدر عن الدول التي يقيم فيها اللاجئون وهي أشبه بالإقامات الدائمة دون أن يرتب ذلك على الدول المضيفة أي واجبات تجاه اللاجئين.

على المستوى التاريخي، تعددت صيغ جواز السفر الفلسطيني وأشكاله بتعدد الأوضاع السياسية التي عاشتها فلسطين والشعب الفلسطيني؛ فمن جواز السفر الخاص بالدولة العثمانية والذي حملته جميع الشعوب التي خضعت للسلطنة العثمانية حتى عام 1917 وما بعد، إلى وثائق السفر البريطانية التي كانت تصدر باسم المندوب السامي والتي ظلت سارية حتى الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948، حيث سرى نظام الاحتلال بمنح الفلسطينيين، أصحاب الأرض، بطاقات هوية، إلى الوثيقة الأردنية التي منحت للفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية، والتي ظلت بعيدة عن الاحتلال، والذين منحوا رقما وطنيا أو جوازات سفر دون رقم وطني لمن منح الجواز بعد العام 1967، إلى الوثيقة المصرية للمقيمين في قطاع غزة لمرحلة ما بعد العام 1948 والتي ظلت سارية حتى اتفاق أوسلو الذي استبدل هذه الوثائق بجوازات سفر صدرت باسم السلطة الفلسطينية، في حين منح الفلسطينيون الذين بقوا في أرضهم داخل الكيان الإسرائيلي الجنسيات الإسرائيلية، أما فلسطينيو القدس فقد منحتهم "إسرائيل" إقامة دائمة، وعلى خلفية أنهم أجانب ولا يتبعون الدولة الإسرائيلية، وبالتالي لم تمنح لهم الجنسية الإسرائيلية.

أما اللاجئون الفلسطينيون الذين هجروا من فلسطين قبل عام 1948 وبعده نتيجة عمليات الإرهاب التي ارتكبتها العصابات الصهيونية إلى كل من سوريا ولبنان والعراق، فقد طغت تداعيات النكبة على كل ما عداها، خاصة وأن بعضهم عاش على أمل العودة السريعة إلى دياره وممتلكاته. لكن بعد أن تأكد للجميع أن إقامة اللاجئين بعيدا عن وطنهم وأرضهم قد تطول، دخلت الدول العربية على خط المعالجة رسميًّا، وطرح على النقاش مسألة إصدار وثائق سفر خاصة باللاجئين، حيث أقر مجلس جامعة الدول العربية في نيسان 1953 "أن تمنح الحكومات العربية المعنية للاجئين الفلسطينيين الذين يقيمون في أراضيها وثائق سفر مؤقتة بناء على طلبهم ما لم يكونوا قد اكتسبوا جنسية إحدى الدول". وهو الأمر الذي ما يزال ساريا حتى اليوم حيث تطور الأمر إلى تأسيس مديريات خاصة بمتابعة أوضاع اللاجئين بما يتعلق بإصدار وثائق تعريفية وتسجيل حالات الزواج والولادات والوفيات وغيرها من قضايا الأحوال الشخصية.

 

المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام

  • Gravatar - Post by
    منشور من طرف IBRASPAL
  • نشر في
اكتب تعليقك

Copyright © 2024 IBRASPAL - Instituto Brasil Palestina. All Rights Reserved.