من محاسن ورشة البحرين الاقتصادية
انعقد وانفض الجَمْع في ورشة البحرين الاقتصادية، كزوبعة باهتة في فنجان، قادها جاريد كوشنر؛ متدرب في السياسة، رومانسي حالم، أرستقراطي بارد، ضحل الخبرة في قضايا الشرق الأوسط لا سيّما القضية الفسلطينية التي ظنها كإحدى صفقاته التجارية، تنعقد حلقتها الأولى والأخيرة بمجرد فتح البازار على الطاولة، فتذهب الملكية لمن يدفع أكثر في سوق تعوّد عليهِ حتى بدت له العملية السياسية مجرد "صفقة" كصفقة القرن
إصرار كوشنر على انعقاد الورشة في ظل الرفض الفلسطيني المطلق، وغياب الطرف الإسرائيلي العالق في انتخاباته البرلمانية، ومن ثم رفض وتحفظ العديد من الأنظمة العربية، وقلق الدول الأوروبية، كان مقدمة واضحة على مصير الورشة، التي يُفترض بها أن تكون خطوة أولى لإنجاح صفقة القرن التي شغلت العالم، فإذا بها خطوة فاشلة وبداية عرجاء لعدم استيفاء شروط نجاحها، ولحداثة التجربة السياسية لدى كوشنر القادم من خلف البحار، الجاهل بتعقيدات الصراع العربي الصهيوني وبطبيعة الشعب الفلسطيني وتاريخه النضالي عبر قرن من الزمان.
فبدل أن تكون ورشة البحرين خطوة هدّامة وبازاراً لبيع القضية والقدس، حملت الأقدار على كتفها محاسن تُذكر لا سيّما إجماع الفلسطينيين على موقف واحد تجلّى في رفض صفقة القرن وورشة البحرين بصورة قل نظيرها طوال سيرورة العملية السياسية التي كانت على الدوام مثار جدل وسبباً للانقسام الوطني، ولعل ذلك يمهّد بدوره لتقارب الرؤى السياسية في الساحة الفلسطينية، ويعزز آليات التنسيق بين الفصائل والقوى في مواجهة سياسات الإدارة الأمريكية الاحتلالية.
في ذات السياق، أثبتت ورشة البحرين بالإضافة إلى مواقف وتصريحات أركان الإدارة الأمريكية، أن المشروع الأمريكي (صفقة القرن) يعكس في جوهرة رؤية الاحتلال لما يُسمى بالحل الاقتصادي للصراع، أي المال و"الازدهار" للفلسطينيين مقابل السلام والأمان للكيان المحتل؛ أي قبول الفلسطينيين بحكم ذاتي مدعّم بفيتامين الدولار الأمريكي ($)، مقابل الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على فلسطين والقدس، والقبول بإعادة توطين الفلسطينيين في الدول المضيفة أو القاريّة الأخرى بشروط مادية مغرية.
وهذا بحد ذاته يقطع النقاش ويؤكد مجدداً للذين يتكئون على العملية السياسية ومسار المفاوضات، بأن السلام مع الاحتلال الصهيوني مجرد وهم وسراب، فالإدارة الأمريكية انتقلت من مربع الوساطة إلى مربع الاحتلال، ما يعني أن السلوك الصهيو-أمريكي سيدفع موضوعياً، المترددين من الفلسطينيين لحسم موقفهم من الصراع القائم على حقيقة مفادها؛ أن الصهاينة يحتلون بلدنا ووطننا فلسطين كل فلسطين، وبأن أنصاف الحلول والاعتراف بالكيان الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة عام 48 غير مجدٍ، بمعنى أن الاحتلال لن يعيد لنا الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس عاصمة للدولة الفلسطينية، ما يعزز القناعة بعدمية التعايش أو السلام مع المحتلين، وبأن أرض فلسطين لا تتسع إلا لقومية واحدة.
وهذا بالذات ما تعتقده وتؤمن به أغلبية القوى والأحزاب الإسرائيلية وتعمل عليه منذ أمد بعيد تحت مظلة أوسلو والمفاوضات؛ فمن ضمهم القدس للسيادة الإسرائيلية، إلى قانون القومية اليهودي الذي لا يعترف بالقومية الفلسطنيية ويدفع إلى التخلص منهم، إلى ضم الجولان، إلى الحديث مجدداً، وبتأييد من السفير الأمريكي في تل ابيب "ديفيد فريدمان" ووزارة خارجيته، بحق "إسرائيل" في بسط سيادتها على أجزاء واسعة من الضفة الغربية، إلى خطوات التطبيع السياسي والاقتصادي مع الدول العربية بمعزل عن إقامة الدول الفسلطينية، وهو ما حَرِص عليه كوشنر في كلمته الافتتاحية في ورشة البحرين حيث لم يأت على ذكر دولة فلسطين، أو ذكر كلمة الاحتلال أو انحساره عن الضفة الغربية، وإنما انصبّ جل حديثه عن تنمية اقتصادية لفلسطينيين يستحقون "الازدهار" مقابل السلام لدولة "إسرائيل".
إن نجاح وحدة الموقف الفلسطيني في إفشال ورشة البحرين، يمكنه أن ينجح أيضاً في إفشال صفقة القرن، في حال أعلنت الإدارة الأمريكية عنها عقب الانتخابات الإسرائيلية في أيلول/سبتمبر القادم، آخذاً بعين الاعتبار أن الاحتلال الإسرائيلي سيبقى منشغلاً حتى نهاية عام 2019 في معالجة الاستحقاقات الانتخابية وبتشكيل حكومته الجديدة، في الوقت الذي سينشغل فيه الأمريكان بانتخاباتهم الرئاسية والتي سيبدأ الاستعداد لها مع نهاية العام الجاري وحتى نهاية العام القادم، ما يمنح الفلسطينيين فرصة للمناورة ولمواجهة الضغوط الأمريكية، بوحدة الموقف الفلسطيني الداخلي، وبالتنسيق مع العديد من الدول العربية والإسلامية الرافضة أو المتحفظة على صفقة القرن.
أحمد الحيلة
المصدر: عربي ٢١
اكتب تعليقك