الجمعة, 19 أبريل 2024

اللغة المحددة: العربية

انتفاضة القدس بعد أربع سنوات على اندلاعها: مراكمة الفعل المقاوم طريق الفلسطينيين إلى إنهاء الاحتلال

قبل أربع سنوات من اليوم انطلقت انتفاضة القدس، أو انتفاضة السكاكين، مدفوعة بمجموعة من الأسباب التي غذّت تفجّرها، وكانت تلك الانتفاضة امتدادًا لهبّة القدس التي اندلعت في عام 2014 على خلفيّة قيام مستوطنين بإحراق الطفل المقدسي محمـد أبو خضير وقتله في غابات القدس فجر 2/7/2014 من أيام شهر رمضان من ذاك العام. لا شكّ في أنّ الاحتلال واستمراره هو السبب الذي يدفع الفلسطينيين إلى العمل المقاوم، إلّا أنّ انتفاضة القدس، كعدد آخر من التحركات الفلسطينية ضدّ الاحتلال، منذ زمن البريطانيين ومن بعدهم الإسرائيليين، اندلعت على خلفية الاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة على المسجد الأقصى والمرابطين.

خلفيّات انطلاق انتفاضة القدس

تجلّت هذه الاعتداءات حينها في مجموعة من الخطوات التي توالت منذ آب/أغسطس 2015 مع "القائمة السوداء" التي وضعتها شرطة الاحتلال لمنع عدد من النساء من القدس والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 من دخول الأقصى؛ ومن ثم قرار وزير جيش الاحتلال بحظر ما أسماه "تنظيمي المرابطين والمرابطات" وذلك بذريعة "الإخلال بالسلامة العامة والنظام داخل المسجد الأقصى، والتسبب بأعمال الشغب". ثمّ لم يمضِ شهران حتى أصدر الاحتلال قرارًا آخر في تشرين ثانٍ/نوفمبر 2015 يصبّ في السياق ذاته ومفاده حظر الحركة الإسلامية – الجناح الشمالي في الداخل الفلسطيني المحتل، وحظر التعامل معها وإغلاق المؤسسات التابعة لها؛ وهو القرار الذي كانت له ارتداداته على عمارة الأقصى نظرًا إلى منع قوافل شدّ الرحال التي تنظّمها الحركة وترعاها.

إضافة إلى ذلك، فإنّ المشهد اليومي لصور اعتقال شرطة الاحتلال للمرابطات واقتيادهنّ إلى مراكز التحقيق فيما المستوطنون يقتحمون المسجد بمرافقة الشرطة والقوات الخاصة شكّل محرّكًا إضافيًا لتنفيذ العمليات أضيف إلى الاقتحامات السياسية والتصريحات الصادرة عن أعضاء في "الكنيست" والحكومة التي تناقض "تعهدات" نتنياهو بالمحافظة على الوضع القائم في المسجد وتشير إلى استمرار سياسة تشويه هذا الوضع وتحريفه. وكان من بين هذه الاعتداءات اقتحام نفذه عضو "الكنيست" أوري أريئل حينذاك، ووزير الزراعة في حكومة الاحتلال حاليًا، يوم "ذكرى خراب المعبد" في 26/7/2015، وفي "رأس السنة العبرية" في 13/9/2015 ونشره مقطع فيديو على الإنترنت دعا فيه المستوطنين إلى اقتحام الأقصى والصلاة فيه.

ولم يتوقّف التصعيد في الاعتداءات عند حدود الأقصى، فقد أقدم مستوطنون في 31/7/2015 على حرق عائلة الدوابشة في نابلس بالضفة الغربية في جريمة مشابهة لجريمة إحراق محمـد أبو خضير قبل حوالي عام. وقد أدّت الجريمة إلى استشهاد الرضيع علي ومن ثم والداه فيما أصيب الناجي الوحيد من العائلة الطفل أحمد دوابشة بحروق بالغة لا تزال شاهدة على نزعة الإجرام التي تتملّك المستوطنين والتي تأكّدت مجددًا مع إقدام جنود الاحتلال على قتل ضياء التلاحمة وهديل الهشلمون في الخليل في 21/9/2015، وأحمد خطاطبة في نابلس في 24/9/2015.

لقد كان توالي تلك الاعتداءات دافعًا للفلسطينيين في القدس والضفة لتنفيذ عمليات فردية ضدّ الاحتلال في ظلّ عدم قدرة الفصائل على التّحرك واستغراق السلطة في التنسيق مع الاحتلال وانتظار خلاص بعيد المنال في مسار التفاوض الذي لم يقدّم فيه الاحتلال سوى التعنت والمزيد من سياسة فرض الحقائق على الأرض. وشهد مسار العمليات الفردية زخمًا، تحدّى عيون الاحتلال وأعوانه، والمتعاونين معه، ومع تصعيد الاحتلال من وتيرة إجراءاته التي أحكم بها رقابته على الفلسطينيين تراجعت وتيرة العمليات لكنّها لم تندثر أو تتوقّف، ولا يزال الفلسطينيون، بعد أربع سنوات من انطلاق انتفاضة القدس، يفاجئون الاحتلال بعمليات نوعيّة تقفز عن إجراءاته، وترسّخ قلقه من إمكانية فقدان السيطرة على الأوضاع في الضفّة عمومًا، ولعلّ "عملية عين بوبين" بالضفة الغربية في 23/8/2019 من أهمّ الدلالات على إمكانية ذلك.

الاحتلال يهرب من المقاومة بتصعيد الاعتداءات!

النّظر إلى الأوضاع في الأراضي المحتلّة، لا سيما تصاعد وتيرة استهداف المسجد الأقصى، يؤكّد أنّ الاحتلال يبني غضبًا فلسطينيًا عارمًا سينفجر لا محالة. ففي الأقصى الوضع يزداد خطورة، والاحتلال يصعّد من اعتداءاته على المسجد وأهله، وقد سلّمت الشرطة يوم أمس المرابطتين خديجة خويص وهنادي حلواني قرارًا بالإبعاد عن المسجد ستة أشهر. وبعد انقلاب الاحتلال على الوضع القائم التاريخي يصرّ على المزيد من الاعتداءات التي يعيد تعريف الوضع القائم على أساسها ويعمل على فرض هذا التعريف. وكان من تجلّيات ذلك سماح سلطات الاحتلال للمستوطنين باقتحام الأقصى في مناسبات المسلمين يومي 28 رمضان الموافق لـ 2/6/2019 لمناسبة "يوم توحيد القدس"، وفي 11/8/2019، لمناسبة "ذكرى خراب المعبد" بالتزامن مع أول أيام عيد الأضحى، في محاولة للقول إنّ يده هي العليا. كذلك، يستمرّ الاحتلال في استهداف باب الرحمة الذي فتحه المقدسيّون في شباط/فبراير 2019 بعدما أغلقه الاحتلال 16 عامًا، ويحاول منع الصلاة فيه، عبر حملة اعتقالات تطال المرابطين في المنطقة الشرقية من الأقصى التي فيها باب الرحمة. وقد اقتحم جنود الاحتلال باب الرحمة في 30/9/2019 بالتزامن مع اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى يومي الأحد والإثنين بمناسبة "رأس السنة العبرية"، وكان من المشاركين في الاقتحامات عضو "الكنيست" السابق الحاخام يهودا غليك، وأوري أريئيل، عضو "الكنيست" السابق الذي لا يزال محتفظًا بحقيبة الزراعة في حكومة الاحتلال ريثما يصار إلى تشكيل حكومة جديدة. ومن المتوقّع أن تتصاعد الاقتحامات لتصل ذروتها في "عيد العرش" بعد حوالي أسبوعين.

تأتي هذه الاعتداءات في إطار أوسع إذ يستمرّ التهويد في القدس، ومن ضمنه سياسات الطرد والتهجير التي يعتمدها الاحتلال للتضييق على المقدسيين وحملهم على ترك أرضهم بعد أن يصبح العيش فيها فوق إمكانيات التحمل ومقومات الصمود. ويضاف إلى ذلك الحواجز والتفتيش والاعتقال والأسر والتحقيق، وأسرلة التّعليم، والإطباق على قطاع الصّحة وإسقاط الأحياء المقدسية من حسابات التطوير في البنى التحتية ومخططات الإسكان، على الرغم من أنّ ذلك واقع على عاتق السلطة القائمة بالاحتلال وفقًا للقانون الدولي، في مقابل تعزيز الوجود اليهودي في القدس والتوسع الاستيطاني وطرد العائلات المقدسيّة من منازلهم، لا سيّما في البلدة القديمة ومحيطها، ليحلّ المستوطنون محلّهم من دون أن ننسى الوضع الاقتصادي في القدس خصوصًا الركود الكبير نتيجة سياسات الاحتلال من الجدار العازل ونظام الحواجز والبوابات المرتبط به، إلى الضرائب العالية المفروضة على التجار، وتشديد استهدافهم في البلدة القديمة، مع ما تؤدي إليه هذه السّياسات من إغلاق للمحال التّجارية وتضرّر العائلات المستفيدة منها بعد فقدانها مصدر رزقها.

الانتصار على الاحتلال يتحقّق بمراكمة الفعل المقاوم

يرفض الفلسطينيون استمرار الاحتلال، وهذا ما تفسّره عمليات المقاومة المستمرّة، بصرف النظر عن وتيرتها. وبالمقابل، يعمل الاحتلال على الوصول إلى بيئة فلسطينية مدجّنة تنبذ المقاومة، وترضى بالاحتلال الذي يمارس سياسة من الضبط والعقاب من أهدافها جعل العمل المقاوم مكلفًا مع ترسيخ فكرة مفادها أنّ المقاومة لا تؤدّي إلى أيّ نتيجة، باستثناء أنّها تجرّ على الفلسطينيين الخسائر والعقوبات. لكن المعطيات التاريخية تؤكّد أنّ المقاومة فعل تراكمي، وأنّ الشعوب ترفض الاحتلال، حتى وإن كان دون ذلك أثمان، إذ إنّ ثمن العيش تحت الاحتلال أعلى من ثمن العمل للخلاص منه؛ وقد عجز الاحتلال على مدى التاريخ عن إنهاء المقاومة في حين كان العكس هو الصحيح.

 
المصدر: مركز دراسات القدس

  • Gravatar - Post by
    منشور من طرف IBRASPAL
  • نشر في
اكتب تعليقك

Copyright © 2024 IBRASPAL - Instituto Brasil Palestina. All Rights Reserved.