معاداة الصهيونية.. أكثر النضالات عدالة وصدقاً ووضوحاً وتحرراً في عصرنا
أنا لا أساهم بأي شيء جديد: أن تكون معادياً للنازية لا يعني أن يكون معادياً لألمانيا، بل على العكس تماماً، إنه إنقاذ للشعب الألماني وأوروبا والجنس البشري نفسه.
كتبت الباحثة السياسية سوزانا خليل مقالة في موقع "الميادين اسبانول" بالإسبانية عن معاداة الصهيونية باعتبارها أحد أكثر النضالات عدالة وصدقاً ووضوحاً وتحرراً في هذا العصر، ذاهبة إلى أن تحرير الشعب الفلسطيني من نير الاستعمار يعني بحد ذاته مستقبل عالم أفضل، لتحرير أنفسنا من بؤسنا الإنساني". والآتي ترجمة لنص المقالة عن الإنجليزية:
أنا لا أعرض شيئاً جديداً: أن تكون معادياً لطغيان النفط السعودي (مؤسسة استعمارية بريطانية جديدة)، لا يعني أنك معادٍ للعرب، أو أن تكون معادياً لمنظمة كو كلوكس كلان (الأميركية اليمينية المتطرفة) Ku klux klan لا يعني أنك معادٍ للمسيحيين، أو أن تكون معاديًا لتنظيم القاعدة، لا يعني أنك معادٍ للمسلمين ، وأن تكون نسوياً لا يعني أنك معادٍ للرجل، بل بالأحرى أنت مع أن يكون الرجل والمرأة حرّين. هناك مسبحة كاملة من الأمثلة، وعلى الرغم من أن الموضوع مبتذل، فإن سخافة معاداة السامية وخضوعها للإسكات والقمع تبقى فعالة.
أنا لا أحضر شيئاً جديداً: كونك معادياً للصهيونية لا يعني أنك معادٍ لليهود؛ والقول إن كونك معادياً للصهيونية هو أنك معادٍ لليهود، فهي إستراتيجية فاسدة كبيرة، من القمع والإخضاع المعقدين. إنه استبداد، إنه غطرسة هي فقط سمة من سمات تفوق الغرب الأبيض، إنه مرض سادي ومثالي، إنه سخرية وإهانة، وهجوم على قيم الحرية الإنسانية. ما زلت لا أساهم بأي شيء جديد.
الصهيونية هي الاستعمار الأوروبي المركزي
نحن في القرن الحادي والعشرين وما زالت آثار المفارقة التاريخية الاستعمارية موجودة في عصرنا التاريخي. إسرائيل التي فُرضت من قبل أوروبا والأوروبيين في عام 1948 على فلسطين التاريخية من خلال الحركة الصهيونية، ليست أكثر من استعمار كلاسيكي. الآن في الاستعمار الكلاسيكي، يأخذ المستعمر الأرض لنهب الموارد، ويستعبد السكان الأصليين ويدمر، ويشوّه، ويحتقر تاريخه.
تكمن خصوصية الاستعمار الأورو-الصهيوني في أن الأمر لا يقتصر على الاستيلاء على الأرض فحسب، بل يستولي أيضاً على تاريخ السكان الأصليين. وتعود هذه الخصوصية إلى حقيقة أن الاستعمار المذكور لا يأتي من شعب، كما هو الحال في الاستعمار الكلاسيكي، ولكن من مشروع يتكون من أن يصبح شعباً، ولهذا السبب يتطلب الأمر الاستيلاء على تاريخ السكان الأصليين وطمسه لتبرير استعماره. لقد تم تزوير التاريخ، من خلال رائعة أكاديمية فكرية راقية، مع إمتاع سردي: الشعب الذين عاد بعد 2000 سنة إلى أرض أجدادهم. عملية احتيال كاملة، تحت عباءة جمالية رائعة، محملة بعناصر ملحمية.
يمكن للشعب الكنعاني الفلسطيني السامي أن يختفي، حضارة من حوالى 18 ألف سنة من التاريخ، 11 ألف سنة من التاريخ المكتوب. إن جعل الشعب الفلسطيني يختفي هو طبيعة المشروع الصهيوني: إبادة وإنهاء السكان الأصليين.
أصبح الشعب الفلسطيني شعباً محظوراً. الشعب الفلسطيني لا يطرد من أرضه الأصلية فقط، بل يُطرد من التاريخ أيضاً. الشعب الفلسطيني ليس الشعب الوحيد الذي يُطرد من التاريخ، ولكنه الشعب الوحيد الذي يستولي فيه المستعمر على تاريخه.
إنهم يستخدمون بذكاء الأرشيف الديني، والتوحيد اليهودي-المسيحي-الإسلامي (التراث العربي)، كشهادة ميلاد. نلاحظ أن الأوروبيين الأشكيناز، أي الأوروبيين من الديانة اليهودية، هم من أصل هندي أوروبي، الأمر الذي لا يبقي لهم أي جذر مع العرقيات السامية، حيث أن أكثر من 80٪ من سكان العالم اليهود هم من أصل أوروبي ويطالبون بالحقوق التاريخية في فلسطين. وهذا الأمر سيكون مثل الإندونيسيين (وليس الساميون) الذين يمثلون أكبر عدد من السكان المسلمين ويطالبون بحقوق تاريخية في شبه الجزيرة العربية اليوم، مهد الإسلام.
تدمير منهجي لطمس الهوية العربية
لا يقتصر الاستعمار الصهيوني على الشعب الفلسطيني فحسب، بل هو أيضاً استعمار توسعي، إنه مشروع "إسرائيل الكبرى"، لمواصلة استعمار الأراضي العربية الأخرى. في الواقع، ليس من العبث أن المفارقة التاريخية للاستعمار المذكور (الصهيوني) أنه ليس لديه بعد دستور وطني، وذلك حتى لا يحدد حدوده. إن استقراره مستدام في زعزعة استقرار المنطقة، ويمكن أن يوصف ذلك بأنه "مانوية" (ديانة فارسية قديمة)، لكن يجب فهمه، هذا الاستعمار هو نفسه الإمبراطورية الأميركية وهو شعور ومعنى استعماريان أوروبيان.
الحركة الصهيونية هي إمبراطورية غير مرئية. إن فرض الاستعمار الصهيوني في فلسطين هو محور الكارثة ومأساة الشعوب العربية-الفارسية-الكردية. من تقرير كامبل-بانرمان في عام 1907، وهو دراسة بريطانية لإدامة الإمبراطورية، إلى اتفاقية سايكس-بيكو لعام 1917، والتقسيم الاستعماري الفرنسي-البريطاني للأراضي العربية، واتفاقيات (وعد) بلفور (1917)، فقد منحت الإمبراطورية البريطانية مستعمرتها الفلسطينية للحركة الصهيونية الأوروبية، والشعب الفلسطيني قد يختفي.
الحركة الصهيونية هي عبقرية منحرفة، إنها موهبة من الرائعة الجمالية ويمكن هذا العنصر في إخضاع الأصوات العظيمة وقمعها وإسكاتها أو جعلها تقوم برقابة ذاتية. هذه الجمالية تخدم في العزل والإخضاع وفي كونها مُهابة.
.كان الغزو المروّع للعراق من قبل الإمبريالية الأميركية مشروع اللوبي الصهيوني 100٪. تقسيم الفسيفساء العربية الغنية، وتنوعها العربي إلى طائفية، بأن يقتل بعضهم البعض من أجل إخضاعهم والسيطرة عليهم، وكان لبنان مثالاً على ذلك. لقد تم اختطاف التاريخ الحديث للثورات الشعبية العربية لصالح الآخرين من الاستعمار الصهيوني. من الواضح أن ديكتاتوريات "كوكو شانيل" الخليج وغيرها من الديكتاتوريات العربية يدركون أن الانضمام إلى الاستعمار الصهيوني هو معادلة منطقية لإدامة أنفسهم في السلطة، وبالتالي إبعاد الجمهور العربي عن الحلم الديمقراطي.
يشكل الطغيان البترو-سعودي والإمبريالية الأميركية والاستعمار الصهيوني حالياً عقل البربرية ضد الشعب اليمني. الاستعمار الصهيوني لديه نحو 400 قنبلة ذرية.
السلطة الفلسطينية متلبسة بتهمتي عدم الكفاءة والفساد، ولم تطور طليعة وروعة القانون الدولي وهي اليوم أداة للاستعمار الصهيوني. لقد تخلوا عن الكفاح المسلح، والنضال القانوني وحتى النضال الثقافي. محمود عباس هو الأخطر والأكثر غموضاً في التاريخ الفلسطيني الداخلي. الشعب الفلسطيني قد يختفي.
لا يحتاج الاستعمار الصهيوني إلى إنهاء الشعب الفلسطيني فحسب، بل يهدد أيضاً العالم العربي - الفارسي - الكردي. هناك مشروع "إسرائيل الكبرى". يقوم المشروع اليوم على دعم الإرهاب الإسلامي الزائف، وتفتيت دولة الأمة العربية، وإنشاء جمهوريات دينية، والقضاء على الهوية العربية ومن ثم تبرير نفسه كدولة يهودية. حالة من الديانة اليهودية في العلمانية الحالية وعلمانية القرن الحادي والعشرين.
تسجل تقارير "قوات الأمم المتحدة" ذوي الخوذات الزرق تدريب الإرهابيين في سوريا على مرتفعات الجولان من قبل الاستعمار الإسرائيلي ضد سوريا. إن تدمير التراث التاريخي من قبل الإرهابيين، كخطة لإنهاء الذاكرة، هناك تدمير ثقافي منهجي ضد العالم العربي. ناهيك عن اختفاء أكثر من أحد عشر ألف طفل سوري والتهريب الواسع للأعضاء التي تشكل فيها المافيا الصهيونية المشغل الأكبر في جميع أنحاء العالم.
في إفريقيا، حافظت الصهيونية الدولية على العديد من الديكتاتوريات. دعمها للفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وحتى إنشاء جميع البنية التحتية للحرب النووية، والتي فككها نيلسون مانديلا على الفور. وقد وثقت صحيفة "هآرتس" اليومية كيف ساهمت الصهيونية في قتل مليون رواندي في الإبادة الجماعية في ذلك البلد. الصهيونية الدولية هي جهاز للإبادة الجماعية خلال الحروب الأهلية في إفريقيا، للحصول على الذهب والماس وبيع الأسلحة. إنها تملك الحكومات من داخل الحكومات، وتعمل عبقريتها الشيطانية من البلوتوقراطية الرأسمالية.
في أميركا اللاتينية، كانت الصهيونية الدولية أيضاً أداة دعم للديكتاتوريات ومزودة للعديد من خدمات التعذيب. البتر الجنسي لنساء شيلي والأرجنتين؛ وكان لديهم المفرخات من الفئران الجائعة والتي استخدموها لأكل المهبل من هؤلاء النساء اللواتي قاتلن ضد الديكتاتورية.
في بورما، تبيع الصهيونية الأسلحة والتدريب لمن يقومون بالإبادة الجماعية ضد السكان المسلمين، التي يقوم بها رئيس ميانمار أونغ سان سو كي.
قائمة أهوال الصهيونية الدولية طويلة والقائمة التي لا يزال يتعين نشرها أطول. الصهيونية هي اعتداء ليس فقط ضد الشعب الفلسطيني، ولكن أيضاً ضد الإنسانية.
محاكم التفتيش العلمانية
لقد أفادت مأساة المحرقة اليهودية الأوروبية وعارها المؤلم، وصراع الأوروبيين ضد الأوروبيين، الصهيونية الأوروبية المركزية، وهي استنساخ غريب للفاشية، وهذا عذاب الروح الإنسانية ...
لم يكن هناك نقاش حر حيث توجد قوة متطورة من القمع حيث "يجب أن آكل وأطعم أطفالي"، أي ضمان الراتب، لذلك "يجب أن أكون موضوعياً". الموضوعية هي الرقابة الذاتية والغضب والقمع الفكري الفعال. نحن نواجه مواهب وعباقرة عظماء وشخصيات جذابة ولكنهم ليسوا صادقين بالضرورة، بل مواهبهم المحتملة تنتهي في خدمة الصهيونية، وضمان راحتهم ، وشهرتهم، ومصالحهم الشخصية، والأنا، والخوف، إلخ. حتى هناك بينهم شخصيات من العالم العربي بمن في ذلك شخصيات فلسطينية. قد يختفي الشعب الفلسطيني.
إلى العلمانية الغربية: هل اليهود شعب أو دين؟
أن تكون معادياً للصهيونية هو ميلاد صعب للتحرر البشري. قتل الملك ليوبولد الثاني ملك بلجيكا ما بين 8 و11 مليون من السود الأفارقة الكونغوليين وهناك تماثيل ضخمة في بلجيكا على شرفه. لقد كان استعمار القارة الأميركية، أبييا يالا، ينطوي على ذبح ما لا يقل عن 70 مليون شخص من السكان الأصليين، وفي إسبانيا وجرت إعادة افتتاح تماثيل الإبادة الجماعية مثل تمثال البحار هرنان كورتيز، وحتى تماثيل تمثل كيف كان يضع الملاح قدمه بكل فخر على الرأس المذبوح لأحد السكان الأصليين.
لكن بالنسبة للمحرقة اليهودية الأوروبية، ذبح الأبيض للأبيض، والأوروبي ضد الأوروبي، هناك مغفرة وذاكرة، لكنها غير موجودة للشعوب الأخرى. هذه المركزية الصهيونية الأوروبية هي فحش عنصري عاصف في عصرنا التاريخي.
حركة المقاطعة
أطلق المهاتما غاندي عملاً ملموساً، وهو المقاطعة (التي لا تشبه عمليات التخريب) لمكافحة الاستعمار البريطاني، ودعت الجالية اليهودية الأميركية إلى المقاطعة لمحاربة النظام النازي الألماني، كما قامت روليهلاهلا مانديلا بدور فعال في المقاطعة لمحاربة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
إن حركة المقاطعة BDS (مقاطعة سحب الاستثمارات والعقوبات) ، هي ضوء ملموس وفعال للعمل الشعبي العالمي ضد المفارقة التاريخية لإسرائيل الاستعمارية والإبادة الجماعية وقوتها الصهيونية العالمية. إن ذكر المقاطعة BDS، ليس للبقاء في مجال الإمكان، بل هو الذهاب إلى العمل الحقيقي والصادق.
هذا هو السبب في أن العنصرية المتعطشة للدماء للحكومات الأوروبية، والأميركية والكندية، تحتاج إلى تجريم حركة المقاطعة BDS، ومرة أخرى كوسيلة للرقابة والإسكات والقمع والظلم والإخضاع، ومنح النظام الاستعماري الصهيوني المزيد من الوقت لتجسيد تطهيره العرقي ضد السكان الفلسطينيين الأصليين.
إن حركة المقاطعة BDS هي بديل للنضال اللاعنفي، وهي أمر حيوي لضمان وجود الشعب الفلسطيني، وأداة لمكافحة الصهيونية الدولية الراسخة في مؤسسات الشركات والبنوك، اللاإنسانية بعمق.
وعلى الرغم من الاستبداد العميق للنظام الدولي، وعلى الرغم من الخوف من اختفاء الشعب الفلسطيني، أشعر أن المعركة ضد الصهيونية ستأتي من أحشاء الإنسانية، ويجب أن تكون مهمة عصرنا التاريخي. أنا لا أؤمن بدولتين، هذه طريقة استعمارية، أؤمن بدولة واحدة نعيش فيها معاً فلسطينيين وإسرائيليين، متساوين في الحقوق.
لقد انتهى اليهود بصهيونيتهم بخيانة ذكرى المحرقة (الهولوكوست)، وإعادة صياغة المأساة اليونانية، ونعيد إنتاج ما نكرهه. إن تحرير الشعب الفلسطيني من نير الاستعمار يعني بحد ذاته مستقبل عالم أفضل، لتحرير أنفسنا من بؤسنا الإنساني. أنا معادية للصهيونية ولن أكون أبداً صهيونية، إنه اتفاقي الوحيد مع الإنسانية في مواجهة المأساة اليونانية.
*سوزانا خليل هي باحثة سياسية، ومؤسسة جمعية كنعان، ومقدمة ومنتجة البرنامج الإذاعي "فلسطين: 11 ألف سنة من التاريخ".
ترجمة: هيثم مزاحم - الميادين نت
اكتب تعليقك