صراع الأدمغة 2019.. المقاومة تتقدم والاحتلال يتراجع
العقل الفلسطيني لم يعد يفكّ تروس الأحجية الأمنية فقط؛ بل نجح بتسجيل أهداف في المرمى "الإسرائيلي"؛ فخيوط اللعبة الأمنية لم تعد بكاملها في يد منظومة الاحتلال الأمنية.
الصراع على المعلومة في غزة تواصل عام 2019؛ لتعديل وتوجيه السلوك الأمني "الإسرائيلي" في معركة عقول ممتدة، لكن الجديد هو خسارة مزيد من القوات رغم فارق الإمكانات التكنولوجية "الإسرائيلية".
وكشفت المقاومة الفلسطينية في الأسابيع الأخيرة من عام 2019 فشلاً استخبارياً لأجهزة أمن الاحتلال خلال عمليتي حدّ السيف وسراب كحلقتين من مسلسل إخفاق متصاعد.
أولويات الاحتلال طوال العام الماضي تركزت في الحصول على المعلومة الاستخبارية وشبكة اتصالات المقاومة واستهداف البنية التحية والقذائف.
ويرجح مراقبون للشأن الأمني والعسكري أن ندرة المعلومة لدى جيش واستخبارات الاحتلال دفعته للمغامرة بوحدات نخبة ووضع غزة تحت المجهر باستخدام وسائل تقنية مكثّفة وتجنيد مزيد من العناصر البشرية.
قوة العجز
ملامح العجز "الإسرائيلي" في غزة لا تنطفئ. غزة قوتها تتركز في ضعفها؛ فهي بعيدة عن كلاسيكية المواجهة، وتشبّ عن الطوق في صراع الأدمغة بتدرج مقلق.
ويقول رامي أبو زبيدة، الباحث في الشأن العسكري: إن أولويات الاحتلال في صراع الأدمغة تركزت عام 2019 في الوصول إلى عقل المقاومة وقيادتها وآليات التواصل والاتصالات وكيف تفكّر؛ لذا ضحّى في إحدى مهامه بنخبته ليصل لشبكة الاتصالات.
ويضيف: "هذا يؤكد أن المعلومة في عام 2019 وما قبلها لا تزال أساس حرب العقول. بيئة غزة وأمن المقاومة عملت بمهمات دفاعية وهجومية، وحيّدت الجهد البشري للاحتلال".
وتواصل أجهزة الأمن والمقاومة بغزة حملات توعية أمنية ومكافحة التخابر، وبرامج تحصين اجتماعية، ضد مهمات الاحتلال الأمنية، التي تستخدم الوسائل التقنية وشبكات التواصل الاجتماعية، والتجنيد المباشر حتى تلج لأمن المقاومة والمجتمع.
ويشير الباحث أبو زبيدة إلى أن الاحتلال كثّف في الأشهر الماضية من عمليات الرصد والمراقبة، وتسيير طائرات الاستطلاع، واختراق الحواسيب والهواتف، وتجنيد مواقع الانترنت، والمؤسسات، والمنصات الإعلامية، مرجّحاً استمرار المهمة بالاعتماد على التقنيات والتجنيد البشري العام المقبل.
الذراع الطويلة!
أما د. إبراهيم حبيب، الخبير في الشأن الأمني، فيرى أن عام 2019 أظهر ضعفا استخباريا إسرائيليا وتقدما موازيا للمقاومة في إطار استمرار نظرية "الاستخبارات الذراع الطويلة".
نسبياً احتلت المقاومة موقع تحكّم عندما استخدمت سلاح الاحتلال الأمني والاستخباري لتقول إن الاحتلال لم يعد يعمل بمنطق صناعة الفعل بنجاح ومنطق الأشباح.
ويقول اللواء يوسف شرقاوي، الخبير في الشأن العسكري: إن الأهداف "الإسرائيلية" تركّزت بتواصل العام الجاري على شخصيات وقيادات فلسطينية، ومخازن الأسلحة، وتطوير القذائف، وضرب البنية التحتية، والجبهة الداخلية، وفق نظرية قوة رادعة.
ويتابع: "ظهرت صعوبة أمنية إسرائيلية في التعقب واصطياد الأهداف ضمن صراع الأدمغة. أولوياتهم عام 2020 ستكون إحراز نصر ميداني وربما احتلال جزء من غزة للضغط واختبار أسلحة ضمن نظريات ردع الخصم وتعديل قواعد الاشتباك".
حدّ السيف وسراب
ولا يمكن الحديث عن صراع الأدمغة والقفز عن أهم محطتين في معركة العقول التي كشفتها المقاومة؛ وهما عمليتا حدّ السيف وسراب، اللتان كبحتا جموح الذراع الأمنية الطويلة للاحتلال.
ويؤكد رامي أبو زبيدة، الباحث في الشأن العسكري، أن عام 2019 برز فيها الجهد الاستخباري "الإسرائيلي" بكثافة في ظل تطوّر قدرات المقاومة في حرب العقول.
ويضيف: "عملية حدّ السيف أثبتت قدرة المقاومة على تفكيك جهد الاحتلال الاستخباري الذي سعى للسيطرة على شبكة اتصالات المقاومة وحاول تدمير معداته بعد هربه ليخفي كامل تسجيلاته ومواده لكن المقاومة وصلت لنواياه بكشف كامل القصّة".
وكانت كتائب القسام كشفت في تحقيق صحفي مصوّر بثته قناة الجزيرة في نوفمبر تفاصيل فشل وحدة النخبة الإسرائيلية بعد كشف هويتها وكيف تمكنت المقاومة من قتل وإصابة عدد منهم بعد استشهاد عدد من مقاوميها في نوفمبر 2018.
تفكيك العقد كاملة والوصول لمعدات الاحتلال التقنية بل وهوية ورتب وحدة النخبة شكّل صدمة أمنية للاحتلال في تطور معركة العقول المتواصلة.
البساطة المضللة التي ابتعتها المقاومة الفلسطينية في تجنيد جاسوس مزدوج حوّلت الدفّة في صراع العقول من موقع المقاومة لهدف إلى هجمة أمنية مرتدة أبطلت المفعول وهدرت الوقت والجهد لأمن الاحتلال.
ويشير الباحث أبو زبيدة أن عملية "سراب" جسّدت ما يعرف أمنياً بـ"التجنيد العكسي"، وهو تجنيد جاسوس مزدوج جرى فيه التعامل مع أجهزة محترفة للمناورة والخداع مدّة طويلة.
ويكشف فيلم "سراب" الذي بثته قناة الميادين أن شاباك "الإسرائيلي" أراد القيام بتفخيخ صواريخ حماس، بحيث تنفجر في مكانها، على أن تظهر بأنها حادثة عمل محلية، لكن أمن المقاومة أبطل العملية وجنّد مصدر الاحتلال ليصبح مصدرا مزدوجا.
ويرى المحلل حبيب أن عملية سراب تحمل دلالات مختلفة؛ لأنها كانت مهمة لقرار شن عدوان في حين ضللت المقاومة أمن الاحتلال باحتراف؛ ما أدى لحرج أمني كبير للاحتلال.
الهدف الأكبر في جهد الاحتلال الأمني طوال عام مضى كان مركزاً نحو المعلومة الاستخبارية وخاصّة شبكة الاتصالات؛ لأن من يفقد المعلومة كمن يمشي في حقل ألغام خلال أي مهمة.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام
اكتب تعليقك