الجمعة, 19 أبريل 2024

اللغة المحددة: العربية

حوار مع د. إبراهيم رزق عطا الله حول كتابه

إقرت .. قضيــة شعــب وحــق وأمــل

نشر مؤخرا، الدكتور الباحث إبراهيم رزق عطا الله، إبن قرية إقرث المهجرة، كتابا تحت عنوان: "إقرث..قضية شعب وحق وأمل"، حيث تناول فيه أحداث ووقائع تهجير أهالي قرية اقرث الفلسطينية عام 1948 كما وتناول فيه تطورات قضية إقرث. فما بين سعي المهجرين المنقطع النظير إلى العودة واستعادة الممتلكات وامتناع حكومات إسرائيل المتعاقبة عن تمكين أصحاب الحق من نيل حقوقهم أو ممارستها، يتنقل الكاتب مابين حجارة إقرث وكنيستها ومقبرتها، يستدعي ذاكرة أبناء القرية، يدون نضالهم، صبرهم وإصرارهم ويخط للأجيال وثيقة هوية منبجسة من إيمان المهجرين الفلسطينيين الراسخ بحقوقهم المسلوبة وملفعة بأمل لا يمسسه صلف الحكام ونوب الزمان وينقل العهد إلى جيل يأبى إلا أن يحفظه.


ما الذي وجهك لكتابة هذا الكتاب؟

عطا الله: منْطَلِقاً من إيماني العميق بحقي الشرعي وبوجوب إحقاقه - عودتي وأهل بلدي إلى ديارنا الأصلية اقرث التي تم تهجيرنا منها، وطنهم الدائم اقرث -. أرى أنه من الواجب الحتمي أن يعرف أبناؤنا وأحفادنا تاريخنا العريق وأن يتفاعلوا مع حيثيات المكان الذي بناه أجدادهم وأسلافهم بعرقهم وبدمائهم، أن يعرف أبناؤنا كيف عاش أهلهم وكيف كانوا لُحمة واحدة مترابطة متراصة، ليستمدوا منهم الأمل وليكون كل ذلك مؤشراً تهتدي به الأجيال في هذا الواقع الأليم المجحف, الذي سلبنا حقنا في العيش سوياً وفي التمتع بأملاكنا وتراثنا.

ما هو وضع قرية اقرث اليوم؟

عطا الله: اليوم وبين حجارة بيوتنا المتناثرة التي تغتني بذكريات أهالينا وعلى أنقاض ملاعب وساحات القرية تتربص الأبقار لتمحو كل ما تبقى من معالم حضارية بقيت من قرية لاقت ما لاقته من الظلم المتعسف. اليوم تدنس اقرث بفعل المستوطنين المجاورين الذين وبدون أي حقٍ أو شرعٍ أو منطقٍ آدمي يستعملون أراضي وبيوت اقرث مراعٍ لأبقارهم. ان هول الجريمة النكراء التي ارتكبت بحق اقرث اعجز حكومات إسرائيل المتلاحقة و أحزابها المتعاقبة وعلى إتساع الخارطة السياسية, عن التنكر لها ولكن رغم انها لم تتنكر للظلم المجحف الذي لحق بأهالي القرية, لم تتنكر لحق الأهالي بالعودة لقريتهم, لا تزال حكومة إسرائيل تتنصل من التزامها بتنفيذ وعودها وقرارات قضائها وتمتنع عن تحقيق العدل في هذه القضية.

ما هو موقف أهالي إقرث اليوم؟

عطا الله: ما زال مهجرو اقرث خارج أرضهم لا ينتظرون بصبر العودة وحسب بل ويمارسون الطرق النضالية القانونية المتاحة لتحقيق ذلك.فخلال عقود ستة مضت قال أهلنا لا.  لا  لكل العروض البخسة ، لا لحرمانهم من تراثهم وميراثهم الحضاري، لا للتجريد ولا للإغراءات. ونراهم اليوم ثابتين, صامدين مؤمنين أنه لا بد للظلام أن ينقشع، ولا بد للنور أن يسطع ويحققون عودتهم الأكيدة لبلدهم الأصلي.

كيف كانت ردود الفعل عند الأهل عند محاورتهم؟

عطا الله: لا شك في أن من أصعب المهمات محاورة شخص حُرِم من أرضه وهُدِم بيته، وعانى ما عاناه من مرارة التهجير وتجرع ما تجرعه من حرمان وقسوة الدهر حتى في إيواء موتاه في مقبرة ضمت أجداده. لقد تبدت في الحوارات قسوة الدهر حيث يعتصر قلوب الأهالي شعورٌ من الغضب ممزوج بمرارة الحزن تارةً وبالنقمة تارةَ وبالدهشة حول هذا القدر القاسي العنيف تارةً أخرى. 

ماذا أردت من هذا الكتاب؟

عطا الله: فكرت ملياَ في فحوى ما أعرضه وكيفية عرضه في مؤلفي هذا، ولمن أوجهه، وبعد تردد كبير واختصار ثم إضافة وتغيير هنا يتلوه تغيير هناك،ارتأيت أخيرا أنه من المناسب أن أجمع في مؤلفي هذا بين التراث الذي عايشه أجدادنا والنضال الذي قاده أهلنا ومن يؤازرهم من الشرفاء الأبطال الذين آمنوا بحق قضية اقرث واعتبروها قضيتهم. حرصت على عرض القضية بشكل موضوعي وسرد علمي موثوق ومسند ليكون هذا المؤلف عبارة عن وثيقة تهتدي بها الأجيال القادمة من أطفال اقرث, وليكون نبراساً لهم ومثلاً في صمود أهلهم وتشبثهم بحقهم وبثبات وتضحياتهم العظيمة ومعاناتهم المريرة وإصرارهم ألا يكون إلا الحق وليكن الشعار الذي نقشه أهالي اقرث في قلوبهم "لن نتنازل عن اقرث" ثابتاً راسخاً في نفوسهم.

هلا قدمت لنا إيجازا عن محتويات الكتاب ؟

عطا الله: تمتد قرية اقرث فوق مجموعة من تلال الجليل الغربي، ويعود الإسم للإله "ملقرط" فقد نصب الكنعانيون نصباً لهذا الإله في اقرث. عرفت باسم "يوقرت" أيام العصر الروماني، وعرفت أيام العهد الصليبي أيضاً باسم أكرت Acret، وقد استعمل الاسم "إقرط" أيام العهد العثماني  في مستندات شراء العقارات، أما أيام الانتداب البريطاني  فقد ذكرت في المستندات الرسمية والسجلات المحلية ب "اقرث" وأيضاَ "إقرط". وقد وردت على لسان بدو المنطقة بإسم "إجرف" , أما  أهلها فقد تداولوا الاسم "إقرث".

الكنيسة والمقبرة

تنتصب اليوم فوق أعلى قمة من قمم تلالها الكنيسة التي بنيت سنة 1875 بنفس مكان كنيسة سبقتها كانت قد بنيت سنة 1635, التي هي أيضا كانت قد بنيت بنفس مكان كنيسة سبقتها لا يعرف تاريخ بنائها.  في السفح الغربي لتلة مسطح البناء توجد مقبرة اقرث, التي تحتضن أمواتها حيث يدفن أهاليها أمواتهم في مقبرة اقرث رغم تواجدهم في أماكن مختلفة من البلاد. ولقد رممت الكنيسة والمقبرة والشوارع المؤدية إليهما مراراً بواسطة أهلها وعلى فترات متعاقبة.

المستوطنات اليهودية المجاورة لاقرث اليوم

كل المستوطنات المجاورة لاقرث والتي بعضها أقرب للحدود اللبنانية، أقيمت بعد تهجير أهالي اقرث في حين يحرم أبناء القرية من العودة تحت ذريعة أن المنطقة "منطقة أمنية مغلقة".
السكان:

 في سنة 1945 جرى إحصاء 460  شخصاً  وفي سنة 1948  حُصِي 441 شخصاً، وفي إحصاء أجري سنة 1996 تسجل 956  شخصاً موزعين على 245 عائلة، وبحسب إحصاء 2005 فقد أحصي 422 رب عائلة اقرثي.

من الجدير بالذكر أن التزايد الطبيعي بين سنوات 1948 – 1956 كان بطيئاً جداً وذلك لأنه خلال الفترة المذكورة لم يتزوج أي شخص من اقرث نظراً للظروف القاسية والقاهرة التي عانوا منها تلك الفترة.

الأراضي

بموجب الخريطة المؤكدة في عكا في شهر شباط من سنة 1935 (7), كانت مساحة أراضي اقرث موزعة على 15 قسيمة بما مجموعه 24,591 دونم. وبحسب تخمين دفتر ضريبة الأملاك المسجل سنة 1928 فإن مجموع مساحات الأراضي 16,264 دونم بالإضافة إلى 8,327 دونم مختلف عليها مع فسوطة ومعليا وترشيحا.

إما الاستسلام وإما الرحيل

دخل الجيش الإسرائيلي لقرية اقرث في اليوم الثاني من "حملة حيرام" والتي كانت الأخيرة والكبرى بين الحملات  التي نظمها الجيش في منطقة الشمال للسيطرة على المنطقة .

عندما وصلت قوات الجيش الإسرائيلي لاقرث كانت المنطقة خاليه من قوات جيش الإنقاذ، حيث غادرت في الليلة التي سبقت دخول الجيش، متجهه باتجاه الدول العربية عند سماعها أنباء تلك الحملة.

مساء السبت 30 تشرين الأول 1948 رفع أهالي اقرث العلم الأبيض على سطح الكنيسه. وفي صباح يوم الاحد 31 من تشرين الاول من سنة 1948 دخلت كتيبه 92 من قوات الجيش الإسرائيلي إلى اقرث. وقد تلخص طلب قائد الفرقة: "إما الاستسلام أو الرحيل".

تهجير السكان من اقرث

في صبيحة يوم الجمعة 6\11\1948 طلب قائد الجيش المدعو موشيه إيرم من سكان القرية تجهيز أنفسهم للرحيل للرامة لمدة أسبوعين. عندما طُلب من الأهالي أن يعبروا للرامة طُلب منهم أن يُبقوا أمتعتهم في بيوتهم وأن يأخذوا مؤونة لفترة لن تزيد عن الأسبوعين, وأن يُقفلوا الأبواب وبيوتهم ستكون بأمان.بدأ التهجير عند فجر 8\11\1948  وأستمر ثلاثة أيام, بواسطة شاحنات الجيش الإسرائيلي إلى الرامة, حيث تم اسكانهم في البيوت التي هجر منها أهلها!!

أبقي في اقرث حوالي ستين شخصاً برفقة الخوري لحراسة البيوت كما أدعى ضباط الجيش لمدة ستة أشهر.بتاريخ 29\4\1949  نقلت شاحنات الجيش المجموعة التي بقيت في اقرث للرامة والخوري إندراوس إلى فسوطه. وهكذا، أخليت القرية من أهلها تماما، ومُنعوا من العودة بحجة أنهم ليسوا مواطنين دائمين!!

التوجه لمحكمة العدل العليا  (الأول)

بعد أن تأكدت للأهالي نيّة السلطات بعدم إرجاعهم توجه الأهالي بواسطة المحامي محمد نمر الهواري بالسماح لهم بالعودة لقريتهم. بتاريخ 28\5\1951 إستصدر الأهالي أمراً إحترازياً ضد وزير الدفاع والحاكم العسكري في الجليل يلزمهم الحضور للمحكمة وتعليل أسباب منع المهجرين من العودة لقريتهم.  بعد عدة جلسات وبتاريخ 31\7\1951 أصدرت محكمة العدل العليا قراراً رقمه  1117 وسجله 64\51  . نص القرار على: "لقد قررنا أنه بعد يوم 27\4\1949 وهو يوم سريان مفعول القوانين الأساسية وحتى 26\9\1949 الذي أعلن فيه عن منطقة القرية كمنطقة عسكرية لم يكن له أي أساس قانوني لسلب الطالبين حقهم بالرجوع.  لهذا السبب وبناءً على اعتراض المجيبين غير العادل الذي سبب عدم رجوع الأهالي إلى القرية حالاً بعد 27\4\1949. "ثم أضاف :" النتيجة هي أنه طالما لم يُعطَ من قبل أي سلطة مخولة أمر خروج ضد الطالبين طبقا للقانون (8) من القوانين أعلاه فيحق لهم ألإقامة في قرية إقرث.

هدم القرية

بتاريخ 24\12\1951 وفي ليلة الميلاد لدى الطائفة المسيحية الكاثوليكية – الطائفة التي ينتمي إليها أهالي القرية – تم تفجير القرية بواسطة الألغام والمدفعيات، ثم قامت الطائرات بقصفها وقد قامت جرافات الجيش بجرف أغلب معالم القرية باستثناء مبنى الكنيسة الذي بقي مهشماً متصدعاً نتيجة لذلك. وقد كان الهدف من ذلك قتل أمل مهجريها بالعودة.

ومن الجدير بالذكر أن هذا الهدم جاء في الفترة التي كان فيها المهجرون,  ينتظرون بها قرار محكمة العدل العليا بشأن الاعتراض على قرار المحكمة العسكرية. ومما يُذكر أنه في الفترة بين التهجير والهدم أعطت السلطات لمهجري اقرث تأشيرات دخول للقرية وللقيام بتجهيز وترميم البيوت للسكن لتكون جاهزة عند عودتهم إليها!!

بعد تهجير السكان وهدم القرية وسحقها  لم يبق لجرافات سلطات الجيش سوى اقتلاع أغلب كروم الزيتون والتين والعنب والأشجار التي كانت ما زالت صامدة بين حجارة البيوت. كان هذا خلال السنوات 1952و1953، لم يكن هذا فحسب، وإنما قام مستوطنو المنطقة - وكل من تسول له نفسهُ – بسرقة حجارة البيوت وما تبقى من الممتلكات حتى جرس الكنيسة تمت سرقته!!

فتح المناطق المغلقة

في بداية سنة 1969  وبعد أن فشلت كل الحوارات مع الحكومة، بدأ سيادة المطران يوسف ريّا – مطران أبرشية عكا وحيفا والناصرة وسائر الجليل مرحلة نضال جديدة من اجل العودة. لقد قاد المطران ريا نضال أهالي اقرث وكفر برعم فنظم مسيرات إحتجاجية ولقاءات وندوات ومؤتمرات و اجتماعات تاييدية وإعتصامات وصيام ومظاهرات شعبية وصفت إحداها أنها الأعظم حتى تاريخها في البلاد. وقد إصطف الى جانبه القيادات الشعبية العديدة وطلبة الجامعات ومحاضريها والأدباء والفنانين وغيرهم العديد.

في صبيحة يوم السبت 24\6\1972 وبعد الإعلان عن إزالة صفة "منطقة أمن" عن منطقة البلدة, أعلن أهالي اقرث عن بداية اعتصامهم في اقرث. حيث تجمع كل أهالي اقرث في القرية وباشروا بترميم الطريق المؤدي للكنيسة وإصلاح جدران الكنيسة التي تصدعت جراء عمليات الهدم التي تعرضت لها القرية وتم إيصال خط ماء للكنيسة.

العودة بعد الموت فقط . .


لم يسمح الدفن في اقرث خلال الفترة بين 1948 وحتى 1971 باستثناء حالة واحدة.  خلال هذه الفترة، دفن أهالي اقرث موتاهم حيث سُمح لهم في الأماكن التي سكنوها وقد كانت أولى حالات الدفن بعد طول انقطاع في أيلول 1970 حيث دفنت أحدى مسنات القرية في مقبرة اقرث. لقد فرض أهالي اقرث عودة موتاهم الى الديار. ولا زال أهالي اقرث بدفنون موتاهم في مقبرتهم إلى يومنا هذا، ويؤمنون أن عودة الأحياء لا بد قادمة.

 مخيّمات لأهالي اقرث

منذ سنة 1996 يقيم المهجرون في اقرث مخيماً للأطفال بهدف توثيق الروابط بين الأطفال الذين يسكنون في مدن وقرى مختلفةٍ، حيث يتم خلال المخيمات تنظيم ورشات عمل متنوعة وجولات ميدانية تتضمن شرحاً وافياً عن مجريات تطور قضية اقرث وسرداً لأحداث مثيرة من قصص الماضي وكيف عاش أهالينا قبل التهجير، كما وتشمل هذه المخيمات فقرات ترفيهية وفنية يشترك فيها العديد من  الفنانين.

إقرث إلى أين؟

اقرث راجعة لأهاليها، فكما سقطت محاولات عدد من اللجان الوزارية للالتفاف على الحق، وكما انهارت مشاريع توطين مختلفة، وكما تهاوت الإغراءات عند قدمي اقرث،  ستسقط كل البدائل عن الحق بالعودة.  وفي زمن أتسمت فيه قلة الحيلة لصعوبة الظروف, لا يزال يقف أهلنا وقفة الأبطال الصامدين لا يلوذهم عن مبدئهم سوى الموت، فقد أظهروا صمودا وإصراراً على الاستمرار بالمطالبة والنضال حتى الرجوع للقرية. وليس من باب الصدفة أن كل طفل وشاب وكهل في اقرث يتبنى، ومنذ التهجير، عبارة: " لن نتنازل عن اقرث".

 

المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام

  • Gravatar - Post by
    منشور من طرف IBRASPAL
  • نشر في
اكتب تعليقك

Copyright © 2024 IBRASPAL - Instituto Brasil Palestina. All Rights Reserved.