جائحة كورونا عمّقت الوضع الخطير في القدس
أكد ضرورة التحرك الإنساني لاستدراك حالة الانهيار
قال منسق حملة "إسعاف القدس"، عيسى أحمد، إن أزمة كورونا عمقت الوضع في القدس المحتلة خاصة على الطبقات الفقيرة.
وأوضح أحمد في لقاء خاص مع "قدس برس"، اليوم الإثنين، أن الاحتلال تصدى لكل محاولات تدارك الوضع، من تعقيم الأماكن المقدسة والعامة، بالإغلاق واعتقال الطواقم.
وحذر من أن واقع الأرقام والمؤشرات في مختلف القطاعات "ينبئ بخطورة الوضع وضرورة التحرك الإنساني لاستدراك حالة الانهيار العام المحتملة".
وأشار إلى أن "وقف الأمة" قدم منذ تأسيسه في 2013 الكثير من المشاريع مساهمة في تعزيز صمود المقدسيين وحماية مقدساتهم وثباتهم على الأرض.
وأكد أن المؤسسات الحقوقية الفلسطينية في مدينة القدس تضطلع بمهمة حماية المرابطات ودعمهن معنويا بكل السبل والطرق الممكنة. مرجحًا أن يواصل الاحتلال المنع والرفض وفرض المزيد من القيود كعادته في مواجه المبادرات الإيجابية.
وفيما يلي نص المقابلة
- كيف تقيمون أوضاع المقدسيين في ظل جائحة كورونا وممارسات الاحتلال؟
تعيش مدينة القدس منذ 1967 ظروفا قاسية حاول الاحتلال خلالها القضاء والسيطرة على كل المقدرات الدينية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمدينة، لفرض روايته على الأرض كالعادة.
وقد عمقت أزمة كورونا من الوضع خاصة بعد إغلاق المساجد والمسجد الأقصى والأسواق والمحلات في البلدة القديمة والبلدات المجاورة مما ضاعف من حجم الأزمة خاصة على الطبقات الفقيرة، ومنها الأسر فاقدة المعيل، والمتعففة التي تعجز عن توفير مستلزمات اليوم في الأحوال العادية.
فكيف والحال في ظل أزمة كورونا؟! حيث شح الموارد وقلة الإمكانات وانشغال الكثير من القطاعات والمؤسسات بأحوالها. كما أن تضرر فئات عمال الدخل اليومي التي فقدت وظائفها ومصادر رزقها بسبب الأحوال الصحية.
ومع انطلاق الأزمة حاولت الكثير من المؤسسات والجمعيات تدارك الوضع، بتعقيم الأماكن المقدسة والعامة وخدمة الفقراء والمساكين؛ إلا أن الاحتلال تصدى لها بالإغلاق واعتقال طواقمها كما فعل مع بعض طواقم الإسعاف بالاعتقال والإبعاد عن القدس بحجة ممارسة أنشطة غير قانونية وكسر الحجر الصحي.
ومع الإهمال المتعمد في الجوانب الصحية للاحتلال بادر تكتل من المؤسسات المدنية المقدسية مكونا من 81 جمعية محلية لتأسيس "التجمع المقدسي لمواجهة كورونا" للتخفيف من الأعباء المادية والاقتصادية والصحية خاصة على الطبقات الهشة والتي تحتاج إلى سند معنوي ومادي في هذه المرحلة الحرجة.
- لو تضعونا بالأرقام والإحصاءات في واقع المقدسيين الاقتصادي وتأثير ذلك على كافة مناحي حياتهم الاجتماعية والتعليمية والصحية؟
تعيش مدينة القدس أوضاعا مزرية في جميع القطاعات دون استثناء، بسبب بيئة الاحتلال التي لا تسمح بالنمو الطبيعي للقطاعات الحياتية في المدينة إلا تحت مظلة الاحتلال ومنظومته القانونية التي صممت خصيصا لأضعاف أو إلحاق كل مقدرات المدينة ومقوماتها الاقتصادية والاجتماعية والدينية والتعليمية والصحية بمنظومة الاحتلال لفرض واقع مشاريع "الأسرلة" ومخططات التهويد التدريجي للمدينة التي استعصت عن الذوبان في برامج الاحتلال منذ احتلالها في 1967.
إلا أن واقع الأرقام والمؤشرات في مختلف القطاعات ينبئ بخطورة الوضع وضرورة التحرك الإنساني لاستدراك حالة الانهيار العام المحتملة.
ففي المجال الاقتصادي تتجاوز حالات الفقر بين عموم فئات المقدسيين 80% وتتعدى معدلات البطالة 31% مع ظروف غلاء المعيشة في المدينة والتي يصل خط الفقر فيها إلى مستوى 1300 دولار، واستمرار غلق المحلات التجارية بسبب الضرائب المتنوعة فالمقدسي عموما يدفع 21 ضريبة أخطرها ضريبة الأرنونا والمسقوفات التي تثقل من كاهل المواطن البسيط ما يجعل 40% من الدخل الشهري يصب في خزينة الاحتلال.
وفي المجال الاجتماعي تزاد الخطورة أكثر لارتباط المشاكل بظواهر اجتماعية تهدد تماسك بنية المجتمع، خاصة مع حرمانه من حاضنة قانونية ومنظومة مستقلة، إذ يعاني معظم سكان البلدة من شبح هدم البيوت الذي يفكك الأسرة المقدسية ما يجعل 40.000 وحدة سكنية في الأحياء الفلسطينية شرقي القدس، تحت تهديد وطائلة الهدم بسبب البناء دون تصاريح، لأن الاحتلال لا يمنح تصاريح أصلا.
فمنذ احتلال المدينة عام 67 هدم ما يزيد عن 5000 منشأة ووحدة سكنة، وألغي ما يزيد عن 14 ألف إقامة للمقدسيين، وضاعف من وتيرة الاعتقالات لمختلف الفئات العمرية خاصة الأطفال منهم إذ تشير الإحصاءات والأرقام الواردة من الجمعيات الحقوقية أن هناك 500-800 طفل مقدسي يجري اعتقالهم سنويا.
وفي إطار معركته الديمغرافية يسعى (الاحتلال) جاهدًا لتقليص عدد سكان القدس بكل الطرق، ففي الخطة الكبيرة المقررة "2020" قرر تخفيض عدد سكان القدس إلى 15%، ويخطط الاحتلال ليصل عدد الفلسطينيين في القدس 12% عام 2030 من إجمالي عدد سكان المدينة، ما يهدد العوائل والأسر من شبح التهجير والإبعاد، كل هذه الاجراءات أثرت بشكل سلبي على واقع الأسرة المقدسية إذ تعتبر نسبة الأسر في القدس والتي يتولى فيها شاب تدبير الأسرة مبكرا يتجاوز 15%، كما تدير المرأة المقدسية 11% من الأسر المقدسية بسبب فقد المعيل وظروف الاعتقال والإبعاد.
هذه الأوضاع بصفة عامة أثرت كذلك على بنية التعليم ما أدى إلى ضعف كبير في العملية التعليمية وهو ما يؤثر سلبا على مردود ومستقبل المجتمع المقدسي حيث يسيطر الاحتلال على 60% من مقدرات ومقومات العملية التعليمية، بالإضافة إلى هشاشة البنية التحتية التعليمية فأغلب المؤسسات والمدارس التعليمية تقام في أبنية لا تصلح للتعليم بالإضافة إلى أن 38% من المدارس مستأجرة.
ويعاني القطاع التعليمي المقدسي من نقص شديد في الغرف الصفية بعجز يتجاوز 2548 غرفة صفية، ما يؤدي إلى ارتفاع نسب التسرب المدرسي التي تصل إلى 30%.. ومع ضعف وتدني رواتب المعلمين ومعاناتهم بسبب الاعتقال والابعاد يغدو الوضع أكثر تعقيدا لهذا القطاع.
وفي مجال المقدسات تعاني هي الأخرى من مخططات الإلحاق والتهويد فقد غير الاحتلال ما يزيد عن 15000 اسم لمواقع دينية وأثرية وشوارع في معركة تهويد المدينة بالإضافة إلى التهديد اليومي الذي يحيط بالمسجد الأقصى من الإغلاقات المتكررة والاقتحامات اليومية وصولا إلى الإبعاد.
ونهاية عند الحفريات التي تجري تحت القدس منذ عام 1967 حيث قد بلغت 104 حفريات، منها 22 فاعلة، 4 تحت وحول الأقصى، و5 في سلوان، و5 في البلدة القديمة، و8 مواقع متفرقة، و57 حفرية ونفقا تخترق المسجد الأقصى، وتخصيص ميزانيات فلكية لتهويد القدس لتصل أول مرة في تاريخ الاحتلال إلى 7.37 مليار شيكل، ما يعادل 2 مليار دولار.
وفي الأوضاع الصحية ونظرا للميزانيات الكبيرة التي يتطلبها يعاني الكثير من المشاكل، ففي القدس 6 مؤسسات صحية فقط تحاول أن تلبي احتياجات أكثر من 150 ألف مقدسي مع إمكانيات ضعيفة وديون متراكمة ما يهددها بالإغلاق. وهو ما يجعل الكثير من المقدسيين يلجؤون إلى التأمين الوطني للاحتلال لتغطية نفقات الدواء والعلاج، وهذا ما يلحق شرائح كثيرة من المقدسيين بمنظومة الاحتلال الصحية.
- ماهي الخطوات التي اتخذتموها لمساعدة المقدسيين على الثبات وتعزيز صمودهم في القدس والمسجد الأقصى؟
يجتهد "وقف الأمة" في خدمة القدس والمقدسيين منذ تأسيسه عام 2013، وقد قدم الكثير من المشاريع مساهمة في تعزيز صمود المقدسيين وحماية مقدساتهم وثباتهم على الأرض، وعلى غرار كل سنة يقدم حزمة وباقة نوعية من البرامج والمشاريع في مختلف المجالات، في قطاع المقدسات والتعليم والقطاع الاجتماعي والاقتصادي والصحي.
وتصل خدمات وقف الأمة إلى مختلف شرائح المجتمع في البلدة القديمة وخارجها، ومن خلال شركاء الوقف وعلاقاته في المجتمع المحلي المقدسي في مختلف الدول سعى الوقف إلى توسيع دائرة الخدمات الإنسانية المقدمة لتشمل شرائح واسعة من الفقراء والمساكين والغارمين، والعائلات فاقدة المعيل، بتوفير مستلزمات المعيشة الضرورية في مختلف المحطات بالإضافة إلى وتوزيع السلال الغذائية بشكل دوري على العائلات الفقيرة، وخدمات ترميم البيوت، وإسعاف أبنائهم لإكمال الدراسة بتوفير احتياجاتهم التعليمية الأساسية من نقل وتكاليف دراسة وألبسة وإطعام وإيواء، ودفع الديون العالقة على الأسر المتعففة مثل ديون فواتير الغاز والكهرباء والماء.
وفي مواسم الخير مثل رمضان والأعياد والصيف والشتاء والدخول المدرسي، يضاعف الوقف جهوده لتغطية نفقات مشاريع خدمة وعمارة المسجد الأقصى، بتقديم خدمات النقل والإفطار في المسجد الأقصى، ودعم الحلقات القرآنية والدروس الدورية، وتلبية احتياجات الفقراء في الأعياد مثل توزيع الأضاحي وكسوة العيد والشتاء، وتوفير مستلزمات الدخول المدرسي.
كما ساهم الوقف في رفد احتياجات القطاع التعليمي بدعم برامج التعليم المقدسي وتعزيز صمود الطلاب لإكمال مسيرتهم التعليمية؛ فقدم منحا تعليمية شاملة وجزئية لمختلف المستويات التعليمية من المراحل الأولى إلى الجامعية، كما ساهم الوقف في توسيع وترميم الكثير من مرافق المؤسسات المدرسية نظرا للعجز الكبير في الغرف الصفية ومرافق الأنشطة اللامنهجية التي لا تستغني عنه المدارس، بالإضافة إلى تغطية الكثير من برامج الأنشطة اللامنهجية مثل المخيمات الصيفية والشتوية التعليمية والرحلات الهادفة إلى المسجد الأقصى ومعالم المدينة التاريخية.
- بالحديث عن المسجد الأقصى، كيف يمكن حماية المرابطات الفلسطينيات ماديا وقانونيا وهن يتصدرن المشهد في الدفاع عن المسجد ويتعرضن للإبعاد والاعتقال؟
المرابطات المقدسيات نموذج مثالي للصمود لحماية المقدسات والمسجد الأقصى، ولذا فإن واجب حماية هذه الفئة وتعزيز وجودهن على الأرض للاستمرار في الصمود هو واجب مجتمعي.
ولهذا يعتبر المجتمع المقدسي حاضنة اجتماعية للمرابطات المقدسيات ورافعة معنوية في الثبات والاستمرار، فهن حمامات وسفيرات المسجد الأقصى، ما يعني ضرورة مضاعفة الجهود لحمايتهن قانونيا، ودعمهن معنويا بكل السبل والطرق الممكنة، والمؤسسات الحقوقية الفلسطينية في مدينة القدس تضطلع بهذه المهمة.
بالإضافة إلى أن وجودهن في الأصل من الناحية القانونية لا يشكل تهديدا لأحد ولا خرقا لأي قانون، ما يجعل الإضرار بهن بالاعتقال والإبعاد هو ضرب من ضروب التعدي على الحريات الفردية، فالحق في الصلاة، والرباط في المسجد، وهو حق ممنوح لكل الناس.
- كيف تتوقعون رد الاحتلال على هذه المبادرة وهو الذي يمنع أي نشاط للمقدسيين في القدس والمسجد الأقصى؟
مبادرة إسعاف القدس على غرار الكثير من المبادرات التي قدمها الوقف أو الفعاليات المجتمعية الأخرى في مدينة القدس، مبادرات إنسانية لا تشكل تهديدا أو خطرا أو خرقا للقانون، وهي ضرورة من الضرورات الاجتماعية والإنسانية، خاصة في مثل هذا الظرف العصيب الذي تعجز فيه الدول عن القضاء على الوباء وتغطية الاحتياجات الصحية والمادية الضرورية والتكفل باحتياجات الفئات المجتمعية.
والمجتمع المقدسي ليس استثناء من المجموع، بل هو أحوج إلى المساندة والدعم لتوفير احتياجاته إلى الدواء والغذاء والمستلزمات ت الضرورية خاصة مع تقاعس الاحتلال القيام بواجبه الصحي بموجب قرارات الأمم المتحدة التي تفرض على كدولة احتلال القيام بتوفير الاحتياجات الصحية الضرورية، وفي هذا الإطار تأتي هذه المبادرة لتعزيز وتقوية البنية المجتمعية على الصمود.
حاول الاحتلال منذ بدايات الأزمة منع انتشار هذا النوع من المبادرات المجتمعية، فاعتقل الكثير من الشباب والطواقم الصحية التي تقدم خدمات التوعية وتطهير الإمكان المقدسة، وتوفير الاحتياجات الغذائية للأسر الفقيرة، إلا أن تحول هذه الهبة إلى تيار شعبي عارم على غرار تكتل المؤسسات المدينة لمواجهة الكورونا من شانه أن يجعل الاحتلال يعيد التفكير في قمع المبادرات الشبابية التوعوية والإنسانية. ومع ذلك من المتوقع أن يواصل الاحتلال المنع والرفض وفرض المزيد من القيود كعادته في مواجه المبادرات الإيجابية.
المصدر: قدس برس
اكتب تعليقك