لماذا لن تنجح محاولات شيطنة الفلسطيني في تغيير شعوب الخليج
لا يمكن فهم محاولات شيطنة الفلسطيني وتبرئة الاحتلال في الدراما العربية وخصوصا الخليجية إلا في سياق التغيرات السياسية التي تجري في المنطقة.
لماذا الآن؟
ثمة تغيرات جذرية إقليمية ودولية أسست لهذا الترويج للعداء لكل ما هو فلسطيني في الدراما، وفي نشاط جيوش الذباب الإلكتروني. ونقول العداء للفلسطيني وليس فقط "التطبيع"، لأن ما يجري الآن يتجاوز خطيئة التطبيع، لشيطنة الفلسطيني، وهو هدف مدروس بعناية من "صنّاع القرار" في بعض الدول العربية، بهدف تهيئة الأرضية لقبول سياسة الانفتاح على الاحتلال، والارتماء بأحضانه، وهي سياسة تجري الآن وهنا بتسارع كبير.
أولى هذه التغيرات هي حالة "التوحش" التي بدأت تنتهجها دول عربية ضد شعوبها، خصوصا بعد انحسار الثورات الشعبية وتحقيق انتصارات موضعية لدول "الثورة المضادة"، وهي حالة صار معها أي رأي مخالف للسطلة يعني السجن، وربما الموت.
تستغل هذه الدول حالة الخوف الناتجة عن التوحش لترويج سياسات غير شعبية في مختلف المجالات، وأهمها سياسة "التطبيع" والارتماء بحضن الاحتلال، والإساءة لنضالات الشعب الفلسطيني وشيطنته.
لأنها تدرك بأن هذه السياسات لن تواجه برفض شعبي معلن بسبب الرعب من إبداء أي رأي مخالف.
يتزامن هذا التغير مع انحسار دور الشعوب العربية في الفعل السياسي الجماهيري، بسبب الأوضاع السيئة التي تمر بها غالبية البلاد العربية، وانشغال الشعوب بمشكلاتها الداخلية، وهو الأمر الذي تعمق مع الأزمات الاقتصادية والركود، خصوصا بعد تفشي وباء كورونا بكل تداعياته السلبية اقتصاديا وأمنيا.
وإذا انتقلنا للبعد الدولي، فإن وجود رئيس أمريكي يمارس "البلطجة العلنية" على الدول العربية، جعل الأنظمة القمعية التي لا تمتلك رصيدا أو شرعية شعبية تبحث عن إرضائه بكافة الوسائل، وأهمها عبر بوابة "تل أبيب" ومغازلة الاحتلال، وهو الأمر الذي جعل "تقارب" بعض الأنظمة العربية مع الاحتلال عنصرا مهما من الدعاية الانتخابية لرئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، الذي يتفاخر كل يوم بتحقيق اختراقات في هذا الجانب.
ومع الحاجة لتهيئة أرضية شعبية لسياسات الارتماء في أحضان الاحتلال، كان لا بد للأنظمة المتورطة بهذه السياسة من استغلال تصاعد الطائفية التي ساهمت سياسات إيران العدوانية في المنطقة وخصوصا سوريا بتغذيتها، فكان أن عملت هذه الأنظمة على تصدير مبدأ أن العدو الاستراتيجي للمنطقة هو إيران وليس الاحتلال، وهو مبدأ ساقط لسببين: الأول أن الاحتلال ليس موجها ضد فلسطين والفلسطينيين، بل ضد كل المنطقة وشعوبها، بهدف تفتيتها ومنع أي مشروع نهضوي فيها، والثاني أن وجود عدو أو خصم يتمثل بإيران لا يعني تجاوز العدو الأساسي والاستراتيجي لكل الشعوب العربية وهو الاحتلال.
لماذا لن تنجح محاولات الشيطنة شعبيا؟
لا يمكن اعتبار الدراما الخليجية أو العربية عموما معبرة عن المزاج الشعبي بسبب حالة القمع الكبيرة التي تسيطر على المنطقة، ولذات السبب لا يمكن بأي حال اعتبار ما ينشره الذباب الإلكتروني الموجه من السلطة ممثلا للشعوب المغلوبة على أمرها.
وما يدعونا لتأكيد هذه البدهية، هو اعتقاد البعض أن هناك رضى شعبيا عن دراما التطبيع والشيطنة للفلسطينيين، بسبب عدم وجود رد شعبي "خليجي" عليها، وهو اعتقاد خاطئ تماما لأنه لا يوجد وسيلة موضوعية لقياس المزاج الشعبي في هذه الدول، في ظل عدم وجود انتخابات حرة أو استفتاءات، فضلا عن وجود مناخ يتيح حرية الرأي لمن يعارض التوجهات الرسمية، وما يمكن أن يسببه إعلان هذه المعارضة من تنكيل واعتقال.
وبالرغم من غياب الصوت الشعبي المعبر عن المزاج الحقيقي، إلا أن الشواهد والدلالات تؤكد أنه مع فلسطين، وضد الاحتلال، وضد التطبيع وشيطنة الفلسطينيين.
لقد كانت شعوب الخليج في مقدمة الشعوب العربية في إعلان تأييدها للشعب الفلسطيني عندما كان ذلك متاحا في بلادها، بل إنها قدمت أروع الصور في العمل الخيري والإعلامي والشعبي لدعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة المحتل، ولكنها الآن مغلوبة على أمرها ولا تستطيع أن تعبر عن نبضها الحقيقي.
عندما كانت السياسة الرسمية في الدول الخليجية وخصوصا الإمارات والسعودية والبحرين تسمح بالتعبير عن رأيها بحرية، كانت المظاهرات تعم مدن الإمارات في مفاصل تاريخية كثيرة، ربما كان آخرها المظاهرات التي نظمتها جمعيات غير حكومية مثل "جمعية مقاومة التطبيع" أثناء اعتداءات الاحتلال على الضفة الغربية في فترة الانتفاضة الثانية، وهي المظاهرات التي تسببت بإغلاق هذه الجمعيات، قبل أن يتم تغييب واعتقال القائمين عليها بعد سنوات، مثل المحامي والأكاديمي اللامع محمد الركن، والأمر ذاته ينطبق على الشعب البحريني وجمعياته المدنية.
أما السعوديون، فقد قدموا أروع صور البذل والعطاء لدعم قضية فلسطين طوال العقود الماضية. هذا الدعم لا ينكره الفلسطينيون كما يروج الموتورون والمدفوعون بأجندات السلطة الحاكمة، بل يتذكره الشعب الفلسطيني بكل إجلال ويعتبره جزءا من وحدة العرب والمسلمين، وإيمانهم بعدالة قضية فلسطين.
هذه الشواهد تؤكد أن الشعوب الخليجية لن تتقبل الرواية التي يراد ترويجها الآن عن الفلسطينيين وقضيتهم، وستعبر عن روايتها الخاصة بدون شك إذا أتيح لها ذلك.
ولولا أن الأنظمة المهرولة نحو التطبيع تدرك ذلك، لما سعت أصلا للدراما وللجيوش الإلكترونية لشيطنة الفلسطيني تمهيدا لأرضية شعبية تقبل التطبيع.
ستبقى الشعوب الخليجية مثلها مثل الشعوب العربية الأخرى حاملة لهموم الفلسطينيين وقضيتهم.
ولذلك يجب أن لا نساهم بترويج صورة مغلوطة عنهم تريد الأنظمة المهرولة للتطبيع نفسها تصديرها وكأن هناك حالة شعبية تقبل هرولتها.
وسيظل شهيد فلسطيني واحد أقوى بالتأثير على المزاج الشعبي الخليجي والعربي، من كل مسلسلاتهم وبرامجهم التلفزيونية وصحفهم، وذبابهم الذي يتكاثر في الفضاء الأزرق لصناعة صورة وهمية كاذبة!
المصدر: عربي 21
اكتب تعليقك