عشراوي.. التهميش والتنسيق الأمني وراء استقالة المرأة المخضرمة
قضي الأمر، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يقبل استقالة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشرواي، بعد أن خرجت الأخيرة ببيان توضيحي للجمهور أكدت فيه طلبها الاستقالة والأسباب التي دفعتها لذلك.
عشراوي توضح
عشراوي قالت في بيان لها، إنها قدمت استقالتها الشفهية يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي خلال لقائها برئيس السلطة محمود عباس بُعيد أيام من استئناف التنسيق الأمني مع "إسرائيل".
وأضافت عشراوي في بيان "تعهدت في ذلك اللقاء بألا أقوم بالإعلان عن الاستقالة أو مناقشتها إلى حين انتهاء الإجراءات بالتوافق"، تبعها استقالة خطية في 26 نوفمبر.
وقالت عشراوي إنها تلقت جوابا خطيًّا من عباس مفاده أنه "يؤجل البت بالموضوع إلى حين انعقاد المجلس المركزي"، مضيفة "لكنني ما زلت على استقالتي بنهاية هذا العام مع احترامي للأنظمة والقوانين السارية".
ودعت عشراوي إلى "إجراء الإصلاحات المطلوبة، وتفعيل منظمة التحرير، وإعادة الاعتبار لصلاحياتها ومهامها، واحترام تفويض اللجنة التنفيذية"، التي عدّتها "تعاني من التهميش وعدم المشاركة في صنع القرار".
وشددت على ضرورة "تداول السلطة ديمقراطيا عن طريق الانتخابات"، مشيرة إلى أن "النظام السياسي الفلسطيني بحاجة إلى تجديد مكوناته ومشاركة الشباب، نساء ورجالا، والكفاءات في مواقع صنع القرار".
من هي عشراوي؟
ولدت حنان خليل عشراوي عام 1946 لعائلة مسيحية وأب طبيب وزعيم سياسي في مدينة نابلس في الضفة الغربية، وهي أستاذة جامعية وأمّ لابنتين.
اختيرت في 1991 لتمثيل منظمة التحرير في محادثات مدريد في أكتوبر من ذلك العام، وكانت المتحدثة باسم الوفد الفلسطيني، ولفتت الأنظار في منافستها لبنيامين نتنياهو، الذي كان المتحدث باسم الوفد الإسرائيلي، ثم اختيرت عضوا في وفود التفاوض الفلسطينية اللاحقة.
في يناير 1996 انتخبت نائبًا عن القدس المحتلة في المجلس التشريعي.
أنهت دراستها الجامعية في الجامعة الأميركية في بيروت، قبل حصولها على الدكتوراه بأمريكا.
العودة للعلاقات وخلافة عريقات
وقالت مصادر مطلعة إن أحد أهم أسباب الاستقالة هو رفضها عودة السلطة لعلاقاتها مع الاحتلال الذي أعلن عنه حسين الشيخ في السابع عشر من الشهر الماضي.
وحسب المصادر -وفق صحيفة الرسالة- فإن الاستقالة هي استمرار لسيطرة التيار الأمني في السلطة على كل الملفات بما فيها المفاوضات.
وتابعت: "ولا تبدو استقالة عشراوي بعيدة عن ملف المفاوضات الذي بات شاغراً بعد وفاة صائب عريقات الذي يشعل منصبين؛ كبير المفاوضين وأمين سر اللجنة التنفيذية".
وقد فتح رحيل عريقات معركة حامية لتقاسم تركته خاصة أمانة سرّ المنظمة، كما لا يقلّ المنصب التفاوضي أهمية على رغم تعثر المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي منذ 2014.
وتنبع أهمية أمانة سرّ المنظمة كونه منصبا يؤهّل صاحبه لأن يكون خليفة لعباس، سواء مؤقتاً أو دائماً، حيث إن عباس كان يشغل هذا المنصب قبل توليه الرئاسة، وبرحيل ياسر عرفات صار رئيساً للسلطة، وحلّ محله ياسر عبد ربه، قبل أن يُقصى الأخير بسبب ميوله إلى القيادي المفصول من "فتح" محمد دحلان.
عقب ذلك أسندت مهمات عبد ربه إلى عريقات الذي كان أيضاً عضواً في اللجنة المركزية لفتح.
ويُشترط للفوز بمنصب أمانة السرّ أن يحظى المرشّح بتوافق اللجنة التنفيذية للمنظمة، أي أن يكون من أعضائها، كذلك، يُعدّ القرب أو البعد من رئيس السلطة شرطاً هو الأهم، إضافة إلى المواقف السياسية أو التنظيمية.
ويعكس عدم تعيين أحد مكان عريقات حتى الآن تعقيد الأمر وضراوة الصراع الدائر.
وكانت عشراوي خارج الدائرة الخاصة ببورصة الأسماء المرشحة للمنصب، رغم أنها تعد من الرعيل القديم في المنظمة، وشغلت مناصب غاية في الأهمية.
ويتم تداول أسماء بعيدة عن اللجنة التنفيذية للمنظمة مثل ترشيح عضو "المركزية لفتح" روحي فتوح.
لكن مصادر فلسطينية تقول إن المرشحين الأبرز هم نائب رئيس الوزراء زياد أبو عمرو، ووزير التنمية الاجتماعية أحمد مجدلاني، ورئيس "الهيئة العامة للشؤون المدنية" حسين الشيخ، في حين أن اسم رئيس جهاز المخابرات ماجد فرج، يبدو مطروحاً لتولي ملف المفاوضات مع الاحتلال كونه الأكثر قرباً من عباس.
حماس تعلق
حركة حماس من جانبها علقت على الاستقالة، وقالت: "إن استقالة عشراوي تؤكد أن قيادة المنظمة برئاسة أبو مازن، لا تؤمن بالشراكة، مع أي مكوّن فلسطيني".
وأضاف الناطق باسم الحركة حازم قاسم أن الاستقالة تؤكد بأن حالة الاستفراد بالقرار من رئيس المنظمة قد وصلت لحد غير مسبوق، ولا تحتمل أي جهة السلوك الاستفرادي في إدارة الأمور في الحالة الفلسطينية.
وقال قاسم: من الواضح أن قيادة حركة فتح لا تؤمن بالشراكة، لا مع الفصائل، أو المستقلين، وتكشف الاستقالة مدى الضعف والتراجع الذي أصاب مؤسسات منظمة التحرير، جراء اتباع أبو مازن الأمور بمنطق التفرد، وأن تكون كل المؤسسات تابعة له.
وشدد المتحدث باسم حركة حماس، على أن هذا نتاج تهميش المنظمة، تهميشا غير مسبوق في التاريخ الفلسطيني، فيما تؤكد استقالة عشراوي، الحاجة والضرورة لإعادة إصلاح وبناء منظمة التحرير، وتفعيل دورها عبر إعادة بنائها بأسس ديمقراطية تشارك فيه الكل بعيداً عن سياسة الإقصاء والتهميش.
"كارثة وأزمة عميقة"
وفي هذا الإطار، أكد الكاتب والمحلل السياسي أحمد أبو زهري أن وراء استقالة حنان عشراوي من منظمة التحرير دوافع سياسية لشعورها بالعزلة والتهميش والتجاهل، ولقناعتها بأن دورها لم يصبح فاعلا في إحداث أي إصلاح في الشأن الوطني في ظل حالة التفرد التي يمارسها رئيس السلطة محمود عباس.
وأضاف أبو زهري في تصريح خاص لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" أن الاستقالة تأتي في ظل عدم اتخاذ قيادة السلطة خطوات جدية تجاه ملف المصالحة، وإجراء الانتخابات الفلسطينية مرارا، وعودة السلطة للعلاقات مع الاحتلال على حساب التفاهمات الوطنية الأخيرة.
وقال إن عشراوي ربما حرصت على إحراج السلطة والمنظمة من خلال الاستقالة التي وصفها بـ"الاحتجاجية"، متوقعا أن تثير الرأي العام، وتنبه الإعلام إلى عمق الأزمة المتعلقة بالقرار الفلسطيني، وتسليط الضوء على حجم الكارثة التي أصابت المؤسسات الرسمية.
وأوضح قائلا: "عشراوي لم توضح الأسباب كثيرا، لكنها أصبحت ظاهرة من خلال الظروف والسياقات التي قدمت فيها، فضلا عن التوقيت والحالة السياسية التي تزامنت مع القرار".
احتجاجي
جهاد حرب، وهو باحث في الحكم والسياسة قال إن السبب الأول لاستقالة عشرواي هو "احتجاجي"، وتحديدا "على طريقة اتخاذ القرار، وخاصة فيما يتعلق بالعودة إلى العلاقات مع الجانب الإٍسرائيلي".
ورأى حرب في تصريح صحفيّ أن السبب الآخر هو "عدم وضوح آليات عمل اللجنة التنفيذية، بعد وفاة أمين سر اللجنة صائب عريقات (10 نوفمبر/تشرين ثاني الماضي) وشغور هذا الموقع، الذي من مهام من يتولاه الدعوة لاجتماعات اللجنة".
وأضاف: "بعد وفاة عريقات لم تنعقد اللجنة التنفيذية، وفي ظل هذه الظروف (انتشار وباء كورونا) لا يجتمع الرئيس مع أعداد كبيرة (من المسؤولين والقيادات)، وبالتالي هناك غياب لآلية عمل اللجنة".
وعدّ أن استقالة عشراوي تؤشر أيضا لقناعتها بأنه "بعد هذا العمر الطويل في الحياة السياسية، آن الأوان لتجديد الدماء بعملية إصلاح لمنظمة التحرير، وهذا لن يكون إذا لم ينسحب من فيها".
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام
اكتب تعليقك