24 عامًا على اتفاقية الخليل.. ماذا حلّ بالمدينة بعدها؟
بقلم سائدة زعارير
يسكن الحاج عوني أبو شمسية (71 عاماً) على بعد أمتار من المسجد الإبراهيمي الشريف، لكنه لا يستطيع دخوله قبل المرور بحاجز عسكري لقوات الاحتلال، ولطالما مُنع من العبور دون أي سبب يذكر.
ويصلي أبو شمسية في المساحة الأصغر من المسجد التي سمح له بزيارتها، ومن خلفه باب حديدي يفصله عن قطيعٍ من المستوطنين يؤدون صلوات تلمودية في القسم الآخر من المسجد.
في 15 يناير/ كانون ثان عام 1997 وقّعت السلطة الفلسطينية اتفاقية الخليل، وبموجبها قسمت المدينة إلى منطقة (H1) وتشمل 80% من مساحة المدينة وتخضع للسيطرة الفلسطينية الكاملة، ومنطقة (H2) وتشكل الـــ 20% المتبقية بما فيها البلدة القديمة والمسجد الإبراهيمي، وتخضع تحت سيطرة الاحتلال الأمنية والسيطرة المدنية للسلطة.
وشملت الاتفاقية إجراءات لإعادة الحياة إلى طبيعتها في المدينة، ومنها فتح شارع الشهداء أمام حركة المركبات الفلسطينية، وفتح سوق الخضار المركزي وتحويله إلى سوق بالتجزئة.
وبالرغم من إجحاف الاتفاقية بحقوق المواطنين الفلسطينيين، إلا أن سلطات الاحتلال لا تلتزم ببنودها، وتتعدّاها بمزيد من الانتهاكات والتضييقات على سكان البلدة القديمة.
وأغلقت سلطات الاحتلال متجر الحاج عوني أبو شمسية، الواقع في شارع السهلة بالبلدة القديمة في الخليل منذ عام 2000، بأمر عسكري.
ويعتبر متجر الحاج أبو شمسية واحداً من 1800 محل تجاري أغلقتها سلطات الاحتلال في البلدة القديمة؛ ما تسبب بتضرر نحو 10 آلاف عائلة فلسطينية، ومعاناة اقتصادية لسكان البلدة بشكل عام.
وأفاد أبو شمسية لوكالة "صفا"، "بأنه كان يعمل في المتجر مع خمسة من إخوته في الحدادة، قبل إغلاقه وجميع المحال التجارية في شارع السهلة من سلطات الاحتلال.
ولفت إلى أنه عاطل عن العمل منذ إغلاق متجره نظراً لسوء الظروف الاقتصادية والأمنية في البلدة القديمة.
وقال الناشط في تجمع المدافعين عن حقوق الإنسان عماد أبو شمسية إن الاتفاقية سيئة السيط والسمعة، ومكنت الاحتلال من إغلاق قلب المدينة والسيطرة على معالمها الدينية والأثرية، مضيفاً أن الاتفاقية قسّمت المدينة؛ ما أثّر على طابعها الاجتماعي والثقافي.
وأوضح أبو شمسية، في حديثه لـ "صفا"، أن انتهاكات الاحتلال تجاوزت الاتفاقية، وتهدف إلى تفريغ المنطقة من سكانها من خلال قرارات المصادرة والحواجز العسكرية، وفصل أحياء البلدة بواسطة الألواح الاسمنتية.
وذكر أن منطقة تل الرميدة وحدها محاطة بثلاثة حواجز عسكرية، يليها العديد من نقاط التفتيش وكاميرات المراقبة.
وأشار إلى أن قوات الاحتلال تمنع الأطفال والهيئة التدريسية من الوصول إلى مدرسة قرطبة في الكثير من الأحيان، وهي المدرسة الوحيدة في المنطقة، بالإضافة إلى اقتحامها من المستوطنين.
وأفاد أبو شمسية بأن سلطات الاحتلال تعامل المواطن الفلسطيني بالقانون العسكري، في حين أنها تعامل المستوطنين وفق القانون المدني، مؤكداً أن الاحتلال يطبّق هذه السياسة العنصرية؛ لتمكين سيطرته الأمنية على المنطقة.
وقال إن بلدية الخليل تقدم الخدمات للمستوطنين التزاماً بنص اتفاقية الخليل، وحتى لا تُمكن الاحتلال من حيازة شرعية لتواجده من خلال إنشاء مجلس بلدي للمستوطنين.
من جانبه، قال الناشط ضد الاستيطان مهند قفيشة، إن سلطات الاحتلال لم تحترم بنود الاتفاقية وشروطها، وأغلقت ما يزيد عن 500 محل تجاري بأمر عسكري، وصادرت المنازل الفلسطينية ونصبت الحواجز العسكرية.
وأضاف قفيشة، لوكالة "صفا"، أن الاتفاقية أعطت الاحتلال صفة قانونية للسيطرة على المنطقة، والتضييق على السكان وطمس الهوية الفلسطينية.
وأشار إلى أن البلدة القديمة كانت من أكثر المناطق المكتظة في المدينة قبل الاتفاقية، موضحاً أن "الاتفاقية نقلت المدينة من الدخل الاقتصادي العالي إلى تدميره تماماً".
وأوضح قفيشة أن الاتفاقية ساعدت سلطات الاحتلال في تهويد معالم أثرية ودينية في المدينة، أبرزها المسجد الإبراهيمي، وبناء الحواجز الاسمنتية على مدخله، والسيطرة الكاملة على منطقة "مشهد الأربعين" الأثرية، وعبرنة أسماء أحياء البلدة القديمة.
وأكد أن السلطة الفلسطينية غير مضطرة للالتزام بالاتفاقية في ظل سعي سلطات الاحتلال الدائم لزيادة أعداد المستوطنين في المدينة وبناء بؤر استيطانية جديدة، مشددًا على ضرورة أن تبادر الجهات الرسمية لفضح الاحتلال ومحاكمته دولياً.
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
اكتب تعليقك