في غزة.. العمل مفقود والأمل مولود
أكثر ما يؤرّق سكان قطاع غزة هو سوق العمل الذي صدئت ترسه بعد أن أثقلته أزمات البطالة والحصار وفقد عشرات الآلاف فرصة العمل في القطاع الخاص والعام.
وتصل نسبة البطالة في قطاع غزة لـ 49% وترتفع إلى 70% في قطاعات الخريجين الجامعيين، في حين تجاوز معدل الفقر 53%، ويعتمد 80% من سكان غزة على المساعدات الإغاثية.
وراكمت سنوات الحصار الممتدة من 2007-2021م من أزمات المشهد الاقتصادي في قطاع غزة بعد أن فقد 150 ألف عامل مصدر رزقهم الوحيد في الداخل المحتل بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000م.
وأوصدت بوابات الحصار أمام عشرات المؤسسات والمصانع في القطاع الخاص ففقد معظم من تبقى مصدر رزقهم وحاولت المنظومة الحكومية التي تديرها حماس الصمود بالحد الأدنى، وهي تخفّض نسبة رواتب موظفيها وتتقشف اضطرارياً.
سوق العمل
ويعلّق سكان قطاع غزة آمالاً عريضة على الانتخابات التشريعية المقررة في مايو المقبل لحل أزمات الفقر والبطالة وإنهاء حصار قطاع غزة.
ويؤكد ماهر الطبّاع -الخبير الاقتصادي- أن قطاع غزة مرّ منذ 15 عاماً بأزمات الحصار والحروب والاعتداءات العسكرية "الإسرائيلية" التي رافقت إغلاق المعابر.
ويضيف لـ"المركز الفلسطيني للإعلام": "الأزمات أضرت بحركة الصادرات والواردات؛ فزادت البطالة لربع مليون عاطل عن العمل، ووصل الفقر لـ 53%، وانعدام الأمن الغذائي للأسرة 68% لا توفر الغذاء الصحي لأفرادها".
التهمت سنوات الحصار عاماً تلو الآخر آمال التحرر من شبح البطالة، بل زادت من نسبتها مع انضمام آلاف الخريجين والحرفيين لجيش بطالة ممتد في قطاع غزة.
ويدعو الخبير الطبّاع إلى معالجة كثير من قضايا سوق العمل والاقتصاد في المرحلة المقبلة على رأسها "الفقر-بطالة العمال-بطالة الخريجين-أزمة الرواتب الحكومية-الهجرة"، والتي لن ترحل سوى بانتهاء الحصار بالكامل.
تكيف مع الأزمات
موّلت المؤسسات الإغاثية والدولية مشاريع تشغيل مؤقتة وحاول القطاع الخاص الصمود بتشغيل الحد الأدنى في حين تواصل الحكومة بغزة محاولة التكيف مع أزمة الرواتب ونقص التمويل.
وتقول منال الحتّة -مدير وحدة العلاقات العامة والإعلام بوزارة العمل في قطاع غزة-: إن الحكومة الفلسطينية منذ عام 2007 نفذت عدة خطوات للحد من البطالة وتعزيز إمكانيات العمال والخريجين من خلال توفير فرص العمل ضمن سياسة تنموية.
وتتابع لـ"المركز الفلسطيني للإعلام": "وفرت الحكومة 94,447 فرصة عمل منها 72,183 فرصة عمل بتمويل حكومي في غزة بميزانية 45,039,869$ وعدد 21,990 فرصة عمل بتمويل من الدول المانحة بميزانية 36,389,787$".
وتنوعت برامج وزارة العمل طوال سنوات الحصار بين برنامج التشغيل المؤقت الذي وفّر 53,995 فرصة عمل بميزانية بلغت 35,996,666$ وبرنامج جدارة لتوفير 4450 فرصة عمل بميزانية 1557500$.
وفي مجال الخريجين قدمت الوزارة مشروع تمكين الشباب لـ 2000 خريج بميزانية 1621621$ إضافة إلى تنمية قدرات الخريجين لتشغيل 958 خريج بميزانية 1,101,226$، وبرنامج طموح ومشروع مسار بمئات آلاف الدولارات.
المعضلة السياسية
كل محاولات إعادة التموضع والتكيف مع ظروف الحصار والانقسام لم تفلح في دفع عجلة سوق العمل؛ فالمعضلة السياسية بقيت قائمة وتنعكس باستمرار يومي على مشهد العمل والاقتصاد بغزة.
ويقول الخبير الطباع: إن تدخلات المجتمع الدولي لم تنجح في الحد من أزمة البطالة؛ لأنها كانت تدخلات مرحلية غير مبنية على الاستدامة الحقيقية.
ويتابع: "مؤسسات القطاع الخاص والعام تواصل الصمود. هناك صمود حكومي؛ فأن تكون الرواتب 40% لسنوات فهذا تكيف مع قلة الموارد وصمود يثبت وصولنا للحظة التي نتكلم بها".
وحاول آلاف الخريجين الالتحاق بسوق العمل خارج قطاع غزة، لكن إغلاق المعابر حال دون نجاحهم، فلجأ بعضهم للهجرة غير الشرعية، وحاول آخرون إنشاء مشاريع صغيرة نجح بعضها وفشل آخر.
تاريخياً تعد الأيدي الحرفية وطاقات العمال في غزة ذات خبرة كبيرة أثبتتها خلال العمل في الداخل المحتل أو الدول العربية، لكن الحصار والمشهد السياسي أجبرها على الانضمام لجيش البطالة.
كما فقدت مؤسسات قطاع غزة حرية التصدير للضفة المحتلة في منتجات عديدة الأمر الذي أفشل كثيرا من المشاريع التي كانت تشغل آلاف الأيدي العاملة.
تدخلات حكومية إغاثية
وأمام هموم العمل المتراكمة حاولت الحكومة بغزة منذ عام 2007م المساهمة لتخفيف الأزمة التي تفوق قدراتها، فقدمت المساعدات النقدية للعمال بقيمة 100$ في الظروف الطارئة لـ 351,043 عامل بقيمة 35,104,300$.
وتشير منال الحتّة -مدير وحدة العلاقات العامة والإعلام بوزارة العمل- إلى أن المساعدات النقدية العاجلة شملت عشرات الآلاف من العاطلين عن العمل والمزارعين والصيادين في إحدى مراحلها 2007-2010م.
كما قدمت الوزارة مساعدة مالية خلال جائحة كورونا عام 2020م لـ (81,850) عاملا بقيمة 100 دولار لكل واحد المتضررين في قطاعات العمل المختلفة بميزانية بلغت 8,185,000$.
كما تشير الحتّة إلى أن العدد التراكمي للعاطلين عن العمل بلغ (378,982)، منهم (167136) خريجا و(211846) عاملا، وأن وزارتها دفعت نحو سياسة الاعتماد على الذات (مشاريع صغيرة) بالمشاركة والتنسيق مع وزارتي الاقتصاد والمالية.
وفي مجال التدريب المهني أشرفت وزارة العمل على تخريج (7,231) متدربا من (17) تخصصا مهنيا، وتخريج (5,749) متدربا من الدورات القصيرة و(2917) متدربا من دورات السياقة.
وأمام واقع خطير وصله سوق العمل في قطاع غزة لا يكمن الحل في تواصل الدعم المرحلي والإغاثي لبطالة تتضخم وفقر يزداد؛ بل يعد إنهاء الحصار تمامًا وعودة الحياة السياسية لمسارها الصحيح الطريق الوحيد لانتهاء أزمات العمل بغزة.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام
اكتب تعليقك