حسابات إسرائيل الخاطئة
هل تقود حسابات "إسرائيل" الخاطئة إلى فقدان السيطرة؟
حاله ضبابية تسود الأوساط الأمنية الإسرائيلية في ظل الأحداث المتلاحقه في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ عقب حقل الألغام الذي زرعه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بإعلانه الأخير، ومن قبله خطيئة الاحتلال بتفجير نفق على حدود غزة.
مدخلات، استطاع قسم الترجمة والرصد في "المركز الفلسطيني للإعلام" أن يتابع تداعياتها من خلال ما نشرته وسائل الإعلام العبرية، والتي أظهرت مزيدا من المخاوف الصهيونية من تتابع التصعيد وفقدان السيطرة.
تغيرات
صحيفة "يديعوت أحرنوت"، قالت إن قائد لواء كفير في جيش الاحتلال الإسرائيلي "تسيون رتسون"، يتحدث عن تغيرات لحماس منذ الحرب الأخيرة، وباتت أكثر تنظيمًا وانضباطًا، وتعمل ككتائب وألوية وأقسام، مضيفا "أن جيشه سيواجه في المعركة المقبلة "حماس" مختلفة عن 2014، مقاتلو حماس يستطيعون أن يخرجوا من أي مكان، وأصبحوا عدوًا أكثر مبادرة وهجومًا".
نداف إيال، الكاتب في صحيفة "معاريف"، وصف بدوره الصواريخ المنطلقة من القطاع بالتعذيب المتواصل، وأضاف: منذ أكثر من أسبوع ونحن نرى "التنقيط" للصواريخ من قطاع غزة نحو مستوطنات الجنوب، بالنسبة للسكان وأبنائهم ممن يهرعون إلى الملاجئ لا يبدو هذا كتنقيط بل كتعذيب متواصل".
أما يوسي ملمان الكاتب في نفس الصحيفة، فقد كشف عن حالة الإضطراب في الكيان بالقول: في الأجهزة الأمنية يجدون صعوبة في القول إلى أين تتجه مستويات الأحداث؛ إلى التلاشي أم إلى التصعيد على وجه التحديد.
ويضيف الكاتب، الأمل أن تتدخل مصر لدى حماس لكي تأتي بالهدوء بدل التوتر الآخذ بالتفاقم، فهي تعمل على الدفع إلى التظاهر في غزة، وتدعو إلى الخروج في مظاهرات بالضفة الغربية، وتبذل جهدها للخروج بعمليات من الضفة.
حسابات خاطئة
ويكشف مليمان أن التخوف في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية هو من الحسابات الخاطئة، التي من خلالها لا تفهم قيادة حماس التصرف الإسرائيلي وتفسره بطريقة خاطئة، لأن قدرات حماس على توفير معلومات إستخبارية عن "إسرائيل" محدودة، فهي تتغذى في الكثير من الأحيان ممّا يرد في وسائل الإعلام الإسرائيلية وتحاول فهمها وتحليلها.
ويضيف يجب القول بأن التقارير الإعلامية في الأيام الأخيرة، والتي تتحدث عن ارتفاع منسوب التوتر، قادت حماس إلى مضاعفة استعداداتها تحسبًا لعملية عسكرية إسرائيلية، كذلك أقوال القادة الإسرائيليين يمكنها أن تتسبب بتلك الحسابات الخاطئة التي تقود الطرفين إلى التصعيد وفقدان السيطرة، مع ذلك فتقدير الاستخبارات الأساسي لم يتغير، فلا حماس ولا السلطة معنيتان بالمواجهة؛ لكن إذا ما استمرت موجة العنف والعمليات الفردية يمكن أن يحدث التصعيد الذي يذكرنا بالأسابيع التي سبقت "الجرف الصامد"، حيث لم يُرد الطرفان الحرب ولكنهما انجرا إليها.
ضبط الأمور
أما المحلل العسكري، أمير بوخبوط، فقد رأى أن منظومة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ليست واثقة بأن حماس تسعى لتدهور الأمور في المنطقة لحالة تصعيد عسكري، وهذه المنظومة منشغلة في الآونة الأخيرة على محاولة فهم استمرار تنقيط الصواريخ المتواصل من غزة، منذ الحملة العسكرية الأخيرة على غزة تم إطلاق أكثر من ٢٩ صاروخا من القطاع، ١٩ منهم سقطوا في "إسرائيل"، وتم اعتراض أربعة منهم.
ويقول بوخبوط "حتى الآن غير واضح إذا كان هذا التنقيط هو علامة على التصعيد أوعدم القدرة على لجم حماس، حماس أثبتت مسبقا أنها قادرة على ضبط الأمور حتى حالة الهدوء المطلق، وحسب المعطيات الأخيرة؛ فإن القائد الجديد لحماس بغزة يحيى السنوار يسعي لتقديم مشاريع مدنية، وغير معني بالتصعيد العسكري الشامل مع إسرائيل، ويسعى كذلك لزيادة الردع أمامها ويعمل على تقوية الذراع العسكري للتنظيم بكل السبل، لذلك لا يريد أن تسخر الحركة كل قوتها في هذا الموسم".
توازن الردع
ويوضح المحلل "الإسرائيلي" أن المعركة القادمة ستكون مدمرة حتى يتم فيها إخضاع حماس، وإجبارها على وقف إطلاق الصواريخ، وسيكون من الصعب إعادة إعمار ما سيتم تدميره بهذه المعركة، وحماس التي تطالب بزيادة العمل ضد "إسرائيل".
ويختم المحلل بالقول: حماس تركز على الحفاظ على توازن الردع والسماح بتنقيط الصواريخ، وفي المنظومة الأمنية الإسرائيلية مقتنعون أنها قادرة على فعل المزيد، والتخوف هو أن تتفهم حماس من خلال ردود "إسرائيل" بأن استمرار إطلاق الصواريخ ممكن، ولن يؤدي للتصعيد، في هذه الحالة يجب على "إسرائيل" أن توضح أن صبرها قد ينفد، وأنها مستعدة لتطوير ردودها أكثر مما قامت به خلال المرات السابقة.
موقع ديفوح ريشوني العبري، ونقلا عن قائد القيادة الجنوبية السابقة للجيش الإسرائيلي الجنرال يوم توف ساميا، قال: "الردع العسكري الإسرائيلي قد انهار؛ نحن بحاجة إلى قصف عنيف على مدار 24 ساعة، يستمر طيلة الـ 365 يوما ضد حماس لأنها تحتل قطاع غزة"، على حد تعبيره.
ضغط سياسي
عاموس هرئيل معلق الشؤون العسكرية في صحيفة هآرتس كتب معلقا على تصاعد الأحداث: لا يمكننا تجاهل الضغط السياسي الداخلي في إسرائيل؛ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قام بعمليتين عسكريتين في القطاع، وقد قام بذلك فيهما كمن يتخبطه الشيطان، في تشرين الثاني 2012 عشية عملية "عمود السحاب" وقف نتنياهو أمام حملة انتخابية للكنيست وتلقى هزة لا تتوقف من العناوين في "يديعوت أحرونوت"، التي ألقت عليه مسؤولية وضع سكان غلاف غزة تحت إطلاق صواريخ القسام من القطاع، وفي 2014 أُلقي عليه ضغط مشابه من اليمين ومن الائتلاف، خاصة بعد العثور على جثث المستوطنين الثلاثة في الخليل.
وأضاف هرئيل رئيس الحكومة نفسه اعترف هذه السنة في نقاش في الكنيست حول تقرير مراقب الدولة أنه لم يكن يرغب في الحرب في القطاع، وأنه جُر إليها على خلفية العمليات الهجومية لحماس، التقديرات في إسرائيل لصالح رد محدود في هذه المرحلة، يوجد عامل آخر لم يذكر – مواجهة مباشرة مع حماس الآن، سترسخ في الوعي العالمي مثل "حرب ترمب" وستعدّ نتيجة مباشرة لاعتراف الولايات المتحدة بالقدس، لهذا تفضل "إسرائيل" إبعاد خطر المواجهة بقدر الإمكان.
خارج السيطرة
محلل الشؤون العبرية في "المركز الفلسطيني للإعلام" يرى أن الأحداث الجارية في الضفة وغزة تُعطي كل منها مفهوما يختلف عن الآخر؛ فقطاع غزه قبل الضفة كانت على شفير الإنفجار، وجاء إعلان ترمب لينزع فتيل القنبلة الموقوتة ويوحد الرد، أما بالنسبة للضفة فإن واقعها هو ساحة المواجهة الحقيقية؛ ويخشى الكيان أن تتفاقم انعكاسات حماقة ترمب وتؤدي للقيام بعمليات نوعية.
ويؤكد المحلل أن أجهزة السلطة تغُض الطرف عن وتيرة معينة من المواجهات من باب السماح للشعب بالتنفيس عن غضبه ضمن الحد الأدنى الذي لا يضر بالكيان، ولا تسمح بتفاقم الأمور، لذلك وقفت سداً منيعاً أمام الشبان عند اقتحام المستوطنين لقبر يوسف في مدينة نابلس ولم تسمح بالمساس بهؤلاء المستوطنين، وبالرغم من ذلك يعلم الطرفان، السلطة والكيان، أن الضفةه خارجة عن السيطرة، ولذلك فإن واقعها يُعطي مخاوف أكبرعلى الكيان.
وأضاف المحلل أن الكيان حريص بشدة أن لا تتدحرج كرة اللهب في القطاع؛ لكن هذا لن يبقيها سندان تحت المطارق، لذا كانت ردودها ليست بقوة تهديد قادتها ووعيدهم؛ صافرات تشتغل من آونة لأخرى بسبب أو حتى بدون، القبة الحديدية تعمل على مدار الساعة، زيارات قادة الجيش لغلاف غزة ومحيطها بين حين وآخر للإشراف والبحث عن أنفاق هجومية.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام